تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٥
وعدى الإنزال هنا - بعلى - وفي البقرة (136) - بإلى - لأنه له جهة علو باعتبار ابتدائه وانتهاء باعتبار آخره، وقد جعل الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم فناسبه الاستعلاء وهناك للعموم، فناسب الانتهاء كذا قيل، ويرد عليه قوله تعالى: * (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا) * (آل عمران: 72) والتحقيق أنه لا فرق بين المعدى - بإلى - والمعدى - بعلى - إلا بالاعتبار، فإن اعتبرت مبدأه عديته - بعلى - لأنه فوقاني وإن اعتبرت انتهاءه إلى من هو له عديته - بإلى - ويلاحظ أحد الاعتبارين تارة والآخر أخرى تفننا بالعبارة، وفرق الراغب بأن ما كان واصلا من الملأ الأعلى بلا واسطة كان لفظ - على - المختص بالعلو أولى به، وما لم يكن كذلك كان لفظ - إلى - المختص بالإيصال أولى به وقيل: أنزل عليه يحمل على أمر المنزل عليه أن يبلغه غيره، وأنزل إليه يحمل على ما خص به نفسه لأن إليه انتهاء الإنزال - وكلا القولين - لا يخلو عن نظر * (وما أنزل على إبراهيم وإسم‍اعيل وإسح‍اق ويعقوب والأسباط) * قيل: خص هؤلاء الكرام بالذكر لأن أهل الكتاب يعترفون بنبوتهم وكتبهم، والمراد بالموصول الصحف - كما هو الظاهر - وقدم المنزل عليه عليه الصلاة والسلام على المنزل عليهم إما لتعظيمه والاعتناء به، أو لأنه المعرف له ومعرفة المعرف تتقدم على معرفة المعرف، والأسباط الأحفاد لا أولاد البنات، والمراد بهم على رأي أبناء يعقوب الإثنا عشر وذراريهم، وليس كلهم أبناءا خلافا لزاعمه * (وما أوتي موسى وعيسى) * من " التوراة " " والإنجيل " وسائر المعجزات - كما يشعر به إيثار الإيتاء على الإنزال الخاص بالكتاب - وقيل: هو خاص بالكتابين، وتغيير الأسلوب للاعتناء بشأن الكتابين، وتخصيص هذين النبيين بالذكر لما أن الكلام مع اليهود والنصارى * (والنبيون) * عطف على * (موسى وعيسى) * أي - وبما أوتي النبيون - على تعدد أفرادهم واختلاف أسمائهم * (من ربهم) * متعلق بأوتي، وفي التعبير بالرب مضافا إلى ضميرهم ما لا يخفى من اللطف.
* (لا نفرق بين أحد منهم) * أي بالتصديق والتكذيب - ما فعل اليهود والنصارى - والتفريق بغير ذلك كالتفضيل جائز * (ونحن له مسلمون) * أي مستسلمون بالطاعة والانقياد في جميع ما أمر به ونهى عنه، أو مخلصون له في العبادة، وعلى التقديرين لا تكون هذه الجملة مستدركة بعد جملة الإيمان كما هو ظاهر، وقيل: إن أهل الملل المخالفة للإسلام كانوا كلهم يقرون بالإيمان ولم يكونوا يقرون بلفظ الإسلام فلهذا أردف تلك الجملة بهذه.
* (ومن يبتغ غير الإسل‍ام دينا فلن يقبل منه وهو فى الاخرة من الخ‍اسرين) *.
* (ومن يبتغ غير الاسل‍ام دينا فلن يقبل منه) * نزلت في جماعة ارتدوا وكانوا اثني عشر رجلا وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفارا، منهم الحرث بن سويد الأنصاري، والإسلام قيل: التوحيد والانقياد، وقيل: شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام بين تعالى أن من تحرى بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم غير شريعته فهو غير مقبول منه، وقبول الشيء هو الرضا به وإثابة فاعله عليه، وانتصاب * (دينا) * على التمييز من * (غير) * وهي مفعول * (يبتغ) * وجوز أن يكون * (دينا) * مفعول * (يبتغ) * و * (غير) * صفة قدمت فصارت حالا، وقيل: هو بدل من * (غير الإسلام) * والجمهور على إظهار الغينين، وروي عن أبي عمرو الادغام، وضعفه أبو البقاء بأن كسرة الغين الأولى تدل على الياء المحذوفة * (وهو في الآخرة من الخ‍اسرين) * إما معطوفة على جواب الشرط فتكون في محل جزم، وإما في محل الحال من الضمير المجرور فتكون في محل نصب، وإما مستأنفة فلا محل لها من الإعراب، و * (في الآخرة) * متعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده - أي وهو خاسر في الآخرة - أو متعلق - بالخاسرين - على
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»