تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٧٨
بين الإفراط والتفريط فيه، وروى البيهقي في " الشعب " - عن الحسن - أنها البخل لأنه يؤدي إلى الهلاك المؤبد فيكون النهي مؤكدا للأمر السابق، واختار البلخي أنها اقتحام الحرب من غير مبالاة، وإيقاع النفس الخطر والهلاك، فيكون لكلام متعلقا ب * (- قاتلوا) * نهيا عن الإفراط والتفريط في الشجاعة، وأخرج سفيان بن عيينة وجماعة عن البراء بن عازب أنه قيل: له * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * هو الرجل يلقي العدو فيقاتل حتى يقتل، قال: لا، ولكن هو الرجل يذنب الذنب فيلقي بيديه فيقول: لا يغفر الله تعالى لي أبدا - وروي مثله عن عبيدة السلماني - وعليه يكون متعلقا بقوله سبحانه: * (فإن الله غفور رحيم) * (البقرة: 192) وهو في غاية البعد، ولم أر من صحح الخبر عن البراء رضي الله تعالى عنه سوى الحاكم - وتصحيحه لا يوثق به - وظاهر اللفظ العموم - والإلقاء - تصيير الشيء إلى جهة السفل وألقى عليه مسألة مجاز، ويقال لكل من أخذ من عمل ألقى يديه إليه وفيه، ومنه قول لبيد في الشمس: حتى إذا (ألقت) يدا في كافر * وأجن عورات الثغور ظلامها وعدى - بإلى - لتضمنه معنى الإفضاء أو الإنهاء - والباء - مزيدة في المفعول تأكيد معنى النهي، لأن - ألقى - يتعدى كما في * (فألقى موسى عصاه) * (الشعراء: 45) وزيادتها في المفعول لا تنقاس، والمراد - بالأيدي - الأنفس مجازا، وعبر بها عنها لأن أكثر ظهور أفعالها بها، وقيل: يحتمل أن تكون زائدة - والأيدي - بمعناها، والمعنى لا تجعلوا التهلكة آخذة بأيديكم قابضة إياها، وأن تكون غير مزيدة - والأيدي - أيضا على حقيقتها ويكون المفعول محذوفا أي: لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إلى التهلكة وفائدة ذكر - الأيدي - حينئذ التصريح بالنهي عن الإلقاء إليها بالقصد والاختيار، والتهلكة مصدر كالهلك والهلاك، وليس في كلام العرب مصدر على تفعلة - بضم العين - إلا هذا في المشهور، وحكى سيبويه عن العرب - تضرة وتسرة - أيضا بمعنى الضرر والسرور، وجوز أن يكون أصلها - تهلكة بكسر اللام - مصدر هلك مشددا كالتجربة والتبصرة فأبدلت - الكسرة ضمة - وفيه أن مجيء تفعلة - بالكسر - من فعل المشدد الصحيح الغير المهموز شاذ، والقياس تفعيل وإبدال - الكسرة بالضم من غير علة - في غاية الشذوذ، وتمثيله بالجوار - مضموم الجيم - في جوار مكسورها - ليس بشيء - إذ ليس ذلك نصا في الإبدال لجواز أن يكون بناء المصدر فيه على فعال - مضموم الفاء شذوذا - يؤيده ما في " الصحاح " جاورته مجاورة وجوارا وجوارا - والكسر أفصح، وفرق بعضهم بين التهلكة والهلاك بأن الأول: ما يمكن التحرز عنه، والثاني: ما لا يمكن، وقيل: الهلاك مصدر والتهلكة نفس الشيء المهلك، وكلا القولين خلاف المشهور، واستدل بالآية على تحريم الإقدام على ما يخاف منه تلف النفس، وجواز الصلح مع الكفار والبغاة إذا خاف الإمام على نفسه أو على المسلمين * (وأحسنوا) * أي بالعود على المحتاج - قاله عكرمة - وقيل: أحسنوا الظن بالله تعالى وأحسنوا في أعمالكم بامتثال الطاعات ولعله أولى. * (إن الله يحب المحسنين) * ويثيبهم.
* (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذآ أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثل‍اثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذالك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب) * * (وأتموا الحج والعمرة لله) * أي اجعلوهما تامين إذا تصديتم لأدائهما لوجه الله تعالى فلا دلالة في الآية على أكثر من وجوب الاتمام بعد الشروع فيهما وهو متفق عليه بين الحنفية والشافعية رضي الله تعالى عنهم، فإن إفساد الحج والعمرة مطلقا يوجب المضي في بقية الأفعال والقضاء، ولا تدل على وجوب الأصل، والقول بالدلالة بناءا على أن الأمر - بالاتمام - مطلقا يستلزم الأمر
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»