تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٥٦
وعليه لا يراد الصلح المرتب على الشقاق فإن الموصي والموصى له لم يقع بينهما شقاق * (فلا إثم عليه) * في ذلك التبديل لأنه تبديل باطل إلى حق بخلاف السابق، واستدل بالآية على أنه إذا أوصى بأكثر من الثلث لا تبطل الوصية كلها خلافا لزاعمه وإنما يبطل منها ما زاد عليه لأن الله تعالى لم يبطل الوصية جملة بالجور فيها بل جعل فيها الوجه الأصلح * (إن الله غفور رحيم) * تذييل أتى به للوعد بالثواب للمصلح على إصلاحه وذكر المغفرة مع أن الإصلاح من الطاعات وهي إنما تليق من فعل ما لا يجوز لتقدم ذكر الإثم الذي تتعلق به المغفرة ولذلك حسن ذكرها وفائدتها التنبيه على الأعلى بما دونه يعني أنه تعالى غفور للآثام فلأن يكون رحيما من أطاعه من باب الأولى، ويحتمل أن يكون ذكرها وعدا للمصلح بمغفرة ما يفرط منه في الإصلاح إذ ربما يحتاج فيه إلى أقوال كاذبة وأفعال تركها أولى، وقيل: المراد غفور للجنف والإثم الذي وقع من الموصي بواسطة إصلاح الوصي وصيته، أو غفور للموصي بما حدث به نفسه من الخطأ والعمل إذ رجع إلى الحق، أو غفور للمصلح بواسطة إصلاحه بأن يكون الإصلاح مكفرا لسيآته والكل بعيد.
* (ياأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) * * (ي‍اآيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام) * بيان لحكم آخر من الأحكام الشرعية وتكرير النداء لإظهار الاعتناء مع بعد العهد، والصيام كالصوم مصدر صام وهو لغة الإمساك، ومنه يقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام، قال ابن دريد: كل شيء تمكث حركته فقد صام، ومنه قول النابغة: خيل (صيام) وخيل غير - صائمة * تحت العجاج - وأخرى تعلك اللجما فصامت الريح ركدت، وصامت الشمس إذا استوت في منتصف النهار، وشرعا إمساك عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص في زمان مخصوص ممن هو على صفات مخصوصة * (كما كتب على الذين من قبلكم) * أي الأنبياء والأمم من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى يومنا كما هو ظاهر عموم الموصول، وعن ابن عباس، ومجاهد رضي الله تعالى عنهما أنهم أهل الكتاب، وعن الحسن، والسدي، والشعبي، أنهم النصارى، وفيه تأكيد للحكم وترغيب فيه وتطييب لأنفس المخاطبين فيه، فإن الأمور الشاقة إذا عمت طابت، والمراد بالمماثلة إما المماثلة في أصل الوجوب - وعليه أبو مسلم والجبائي - وإما في الوقت والمقدار بناء على أن أهل الكتاب فرض عليهم صوم رمضان فتركه اليهود إلى صوم يوم من السنة زعموا أنه اليوم الذي أغرق فيه فرعون، وزاد فيه النصارى يوما قبل ويوما بعد احتياطا حتى بلغوا فيه خمسين يوما فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى زمن نزول الشمس برج الحمل، وأخرج ابن حنظلة، والنحاس، والطبراني عن مغفل بن حنظلة مرفوعا " كان على النصارى صوم شهر رمضان فمرض ملكهم فقالوا: لئن شفاه الله تعالى لنزيدن عشرا، ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فوه فقالوا: لئن شفاه الله لنزيدن سبعة، ثم كان عليهم ملك آخر فقال: ما ندع من هذه الثلاثة أيام شيئا أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ففعل فصارت خمسين يوما "، وفي * (كما) * خمسة أوجه. أحدها: أن محله النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي - كتب كتبا - مثل ما كتب. الثاني: أنه في محل نصب حال من المصدر المعرفة أي - كتب عليكم الصيام الكتب - مشبها بما كتب، و (ما) على الوجهين مصدرية. الثالث: أن يكون نعتا لمصدر من لفظ الصيام أي صوما مماثلا للصوم المكتوب على من قبلكم. الرابع: أن يكون حالا من الصيام أي حال كونه مماثلا لما كتب، و (ما) على الوجهين موصولة. الخامس: أن يكون في محل رفع على أنه صفة للصيام بناء على أن المعرفة - بأل - الجنسية
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»