* (يسلونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولاكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون) * * (يسئلونك عن الأهلة) * أخرج ابن عساكر بسند ضعيف - أن معاذ بن جبل، وثعلبة بن غنم قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد؟ فنزلت، وفي رواية أن معاذا قال: يا رسول الله إن اليهود يكثرون مسألتنا عن الأهلة فأنزل الله تعالى هذه الآية، فيراد بالجمع على الرواية الأولى ما فوق الواحد أو ينزل الحاضرون المترقبون للجواب منزلة السائل وظاهره المتبادر على الرواية الثانية بناءا على أن سؤال اليهود من بعض أصحابه بمنزلة السؤال منه صلى الله عليه وسلم إذ هو طريق علمهم ومستمد فيضهم، والأهلة جمع هلال واشتقاقه من استهل الصبي إذا بكى وصاح حين يولد ومنه أهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية، وسمي به القمر في ليلتين من أول الشهر، أو في ثلاث أو حتى يحجر وتحجيره أن يستدير بخط دقيق - وإليه ذهب الأصمعي - أو حتى يبهر ضوءه سواد الليل، وغيا ذلك بعضهم بسبع ليال - وسمي بذلك لأنه حين يرى يهل الناس بذكره - أو بالتكبير؛ ولهذا يقال: أهل واستهل ولا يقال هل، والسؤال يحتمل أن يكون عن الغاية والحكمة وأن يكون عن السبب والعلة، ولا نص في الآية والخبر على أحدهما أما الملفوظ من الآية فظاهر، وأما المحذوف فيحتمل أن يقدر ما سبب اختلافها وأن يقدر ما حكمته، وهي وإن كانت في الظاهر سؤالا عن التعدد إلا أنها في الحقيقة متضمنة للسؤال عن اختلاف التشكلات النورية لأن التعدد يتبع اختلافها إذ لو كان الهلال على شكل واحد لا يحصل التعدد كما لا يخفى، وأما الخبر فلأن ما فيه يسأل بها عن الجنس وحقيقته فالمسؤول حينئذ حقيقة أمر الهلال وشأنه حال اختلاف تشكلاته النورية، ثم عوده إلى مكان عليه وذلك الأمر المسؤول عن حقيقته يحتمل ذينك الأمرين بلا ريب فعلى الأول: يكون الجواب بقوله تعالى: * (قل هي مواقيت للناس والحج) * مطابقا مبينا للحكمة الظاهرة اللائقة بشأن التبليغ العام المذكرة لنعمة الله تعالى ومزيد رأفته سبحانه وهي أن يكون معالم للناس يوقتون بها أمورهم الدنيوية ويعلمون أوقات زروعهم ومتاجرهم ومعالم للعبادات الموقتة يعرف بها أوقاتها كالصيام والإفطار وخصوصا الحج، فإن الوقت مراعى فيه أداءا وقضاءا ولو كان الهلال مدورا كالشمس أو ملازما حالة واحدة لم يكد يتيسر التوقيت به، ولم يذكر صلى الله عليه وسلم الحكمة الباطنة لذلك مثل كون اختلاف تشكلاته سببا عاديا أو جعليا لاختلاف أحوال المواليد العنصرية كما بين في محله لأنه مما لم يطلع عليه كل أحد، وعلى الثاني: يكون من الأسلوب الحكيم، ويسمى القول بالموجب وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأولى بحاله - واختاره السكاكي وجماعة - فيكون في هذا الجواب إشارة إلى أن الأولى على تقدير وقوع السؤال أن يسألوا عن الحكمة لا عن السبب لأنه لا يتعلق به صلاح معاشهم ومعادهم، والنبي إنما بعث لبيان ذلك لا لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ليسوا ممن يطلع على دقائق علم الهيئة الموقوفة على الأرصاد والأدلة الفلسفية كما وهم لأن ذلك على فرض تسليمه في حق أولئك المشائين في ركاب النبوة، والمرتاضين في رواق الفتوة، والفائزين بإشراق الأنوار، والمطلعين بأرصاد قلوبهم على دقائق الأسرار، وإن لم يكن نقصا من قدرهم إلا أنه يدل على أن سبب الاختلاف ما بين في علم الهيئة من بعد القمر عن الشمس وقربه إليها وهو باطل عند أهل الشريعة فإنه مبني على أمور لم يثبت جزما شيء منها غاية الأمر أن الفلاسفة الأول تخيلوها موافقة لما أبدعه الحكيم المطلق كما يشير إليه كلام مولانا الشيخ الأكبر قدس سره في " فتوحاته "، ومما ينادي على أن ما ذهبوا إليه مجرد تخيل
(٧١)