تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٤٦
حسبا ونسبا وأن ليس فيهم وصمة ولا عيب منفر ويعتقد أن سيدهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع والتمسك بها لازم لجميع المكلفين إلى يوم القيامة.
* (وءاتى المال على حبه) * حال من ضمير (ءاتى)، والضمير المجرور للمال - أي أعطى المال كائنا على حب المال - والتقييد لبيان أفضل أنواع الصدقة فقد أخرج البخاري. ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا لفلان كذا الا وقد كان لفلان " وفي هذا إيذان بأن درجات الثواب تتفاوت حسب تفاوت المراتب في الحب حتى إن صدقة الفقير والبخيل أفضل من صدقة الغني والكريم إلا أن يكونا أحب للمال منهما، ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " أفضل الأعمال أحمزها " وجوز رجوع الضمير لله تعالى أو للمصدر المفهوم من الفعل، والتقييد حينئذ للتكميل، وبيان اعتبار الإخلاص أو طيب النفس في الصدقة ودفع كون إيتاء المال مطلقا برا، والأول: هو المأثور عن السلف الصالح، ولعله المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* (ذوي القربى) * مفعول أول ل‍ * (آتى) * قدم عليه مفعوله الثاني للاهتمام أو لأن فيه مع (ما) عطف عليه طولا لو روعي الترتيب لفات تجاوب الأطراف، وهو الذي اقتضى تقديم الحال أيضا، وقيل: هو المفعول الثاني، والمراد ب * (ذوي القربى) * - ذوو قرابة - المعطي لكن المحاويج منهم لا مطلقا لدلالة سوق الكلام، وعد مصارف الزكاة على أن المراد الخير والصدقة - وإيتاء - الأغنياء هبة لا صدقة، وقدم هذا الصنف لأن - إيتاءهم - أهم فقد صح عن أم كلثوم بنت عقبة قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح " وأخرج أحمد والترمذي وغيرهما عن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة ".
* (واليت‍امى) * عطم على * (ذوي القربى) * وقيل: على * (القربى) * إذ لا يصح إيصال المال إلى من لا يعقل فالمعطي حينئذ كافلهم لأجلهم، وفيه ما لا يخفى * (والمس‍اكين) * جمع - مسكين - وهو الدائم السكون لما أن الحاجة أسكنته بحيث لا حراك به أو دائم السكون والالتجاء إلى الناس، وتخصيصه بمن لا شيء له أو بمن لا يملك ما يقع موقعا من حاجته خارج عن مفهومه * (وابن السبيل) * أي المسافر - كما قاله مجاهد - وسمي بذلك لملازمته الطريق في السفر أو لأن الطريق تبرزه فكأنها ولدته وكأن إفراده لانفراده عن أحبابه ووطنه وأصحابه فهو أبدا يتوق إلى الجمع، ويشتاق إلى الربع، والكريم يحن إلى وطنه حنين الشارف إلى عطنه، أو لأنه لما لم يكن بين أبناء السبيل، والمعطي تعارف غالبا يهون أمر الاعطاء ويرغب فيه أفردهم ليهون أمر إعطائهم وليشير إلى أنهم وإن كانوا جمعا ينبغي أن يعتبروا كنفس واحدة فلا يضجر من إعطائهم لعدم معرفتهم وبعد منفعتهم فليفهم، وروي عن ابن عباس وقتادة وابن جبير أنه الضيف الذي ينزل بالمسلمين * (والسائلين) * أي الطالبين للطعام سواء كانوا أغنياء إلا أن ما عندهم لا يكفي لحاجتهم أو فقراء كما يدل عليه ظاهر ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن أبي حاتم عن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للسائل حق وإن جاء على فرس " فإن الجائي على فرس يكون في الغالب غنيا، وقيل: أرد المساكين
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»