تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٧٠
، وعلى الأخيرين لتجاهلهم أو لعدم علمهم بمقتضاه * (لولا يكلمنا الله) * أي هلا يكلمنا بأنك رسوله إما بالذات كما يكلم الملائكة أو بإنزال الوحي إلينا، وهو استكبار منهم بعد أنفسهم الخبيثة كالملائكة والأنبياء المقدسين عليهم الصلاة والسلام * (أو تأتينآ ءاية) * أي حجة على صدقك وهو جحود منهم قاتلهم الله تعالى لما آتاهم من الآيات البينات، والحجج الباهرات التي تخر لها صم الجبال، وقيل: المراد إتيان آية مقترحة، وفيه أن تخصيص النكرة خلاف الظاهر * (كذلك قال الذين من قبلهم) * جواب لشبهتهم يعني أنهم يسألون عن تعنت واستكبار مثل الأمم السابقة والسائل المتعنت لا يستحق إجابة مسألته * (مثل قولهم) * هذا الباطل الشنيع * (فقالوا أرنا الله جهرة) * (النساء: 153) * (هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة) * (المائدة: 112) * (اجعل لنا إلها) * (الأعراف: 138) وقد تقدم الكلام على هذين التشبيهين، ولبعضهم هنا زيادة على ما مر احتمال تعلق * (كذلك) * ب * (تأتينا) * وحينئذ يكون الوقف عليه لا على * (آية) * أو جعل * (مثل قولهم) * متعلقا ب * (تشابهت) * وحينئذ يكون الوقف على * (من قبلهم) * وأنت تعلم أنه لا ينبغي تخريج كلام الله تعالى الكريم على مثل هذه الاحتمالات الباردة * (تش‍ابهت قلوبهم) * أي قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والعناد، وقيل: في التعنت والاقتراح، والجملة مقررة لما قبلها، وقرأ أبو حيوة وابن أبي إسحق بتشديد الشين قال أبو عمرو الداني: وذلك غير جائز لأنه فعل ماض والتاآن المزيدتان إنما يجيئان في المضارع فيدغم أما الماضي فلا، وفي غرائب التفسير أنهم أجمعوا على خطئه، ووجه ذلك الراغب بأنه حمل الماضي على المضارع فزيد فيه ما يزاد فيه ولا يخفى أنه بهذا القدر لا يندفع الإشكال، وقال ابن سهمي في الشواذ: إن العرب قد تزيد على أول تفعل في الماضي تاء فتقول تتفعل وأنشد. تتقطعت بي دونك الأسباب وهو قول غير مرضي ولا مقبول فالصواب عدم صحة نسبة نسبة هذه القراءة إلى هذين الإمامين وقد أشرنا إلى نحو ذلك فيما تقدم * (قد بينا الأي‍ات) * أي نزلناها بينة بأن جعلناها كذلك في أنفسها فهو على حد سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل * (لقوم يوقنون) * أي يعلمون الحقائق علما ذا وثاقة لا يعتريهم شبهة ولا عناد وهؤلاء ليسوا كذلك فلهذا تعنتوا واستكبروا وقالوا ما قالوا، والجملة على هذا معللة لقوله تعالى: * (كذلك قال الذين من قبلهم) * كما صرح به بعض المحققين، ويحتمل أن يراد من الإتيان طلب الحق واليقين. و - الآية - رد لطلبهم الآية وفي تعريف الآيات وجمعها وإيراد التبيين مكان الاتيان الذي طلبوه ما لا يخفى من الجزالة، والمعنى أنهم اقترحوا آية فذة ونحن قد بينا الآيات العظام لقوم يطلبون الحق واليقين وإنما لم يتعرض سبحانه لرد قولهم * (لولا يكلمنا الله) * إيذانا بأنه منهم أشبه شيء بكلام الأحمق وجواب الأحمق السكوت.
* (إنا أرسلن‍اك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تس‍ال عن أصح‍ابالجحيم) * * (إنآ أرسلن‍ااك بالحق) * أي متلبسا مؤيدا به فالظرف مستقر، وقيل: لغو متعلق بأرسلنا أو بما بعده، وفسر الحق بالقرآن أو بالاسلام وبقاؤه على عمومه أولى * (بشيرا ونذيرا) * حالان من الكاف، وقيل: من الحق والآية اعتراض لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان يهتم ويضيق صدره لإصرارهم على الكفر والمراد: إنا أرسلناك لأن تبشر من أطاع وتنذر من عصى لا لتجبر على الإيمان فما عليك إن أصروا أو كابروا؟ والتأكيد لإقامة غير المنكر مقام المنكر بما لاح عليه من أمارة الإنكار والقصر إفرادي.
* (ولا تسئل عن أصح‍ابالجحيم) * تذييل معطوف على ما قبله، أو اعتراض أو حال أي أرسلناك غير - مسؤول عن أصحاب الجحيم - ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت ما أرسلت به وألزمت الحجة عليهم؟!،
(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»