تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٨٢
غرضه شيئا آخر لا يجدي نفعا كالقول بأنه ما آذى أهله جبار إلا قصمه الله تعالى ففي المثل: إذا مت عطشانا فلا نزل القطر وكان النداء بلفظ الرب مضافا لما في ذلك من التلطف بالسؤال والنداء بالوصف الدال على قبول السائل، وإجابة ضراعته، وقد أشرنا من قبل إلى ما ينفعك هنا فتذكر.
* (وارزق أهله من الثمرات) * أي من أنواعها بأن تجعل قريبا منه قرى يحصل فيها ذلك أو تجىء إليه من الأقطار الشاسعة - قد حصل كلاهما - حتى إنه يجتمع فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد روي أن الله سبحانه لما دعا إبراهيم أمر جبريل فاقتلع بقعة من فلسطين، وقيل: من الأردن وطاف بها حول البيت سبعا فوضعها حيث وضعها رزقا للحرم وهي الأرض المعروفة اليوم بالطائف وسميت به لذلك الطواف، وهذا على تقدير صحته غير بعيد عن قدرة الملك القادر جل جلاله؛ وإن أبيت إبقاءه على ظاهره فباب التأويل واسع، وجمع القلة إظهارا للقناعة، وقد أشرنا إلى أنه كثيرا ما يقوم مقام جمع الكثرة، و * (من) * للتبعيض، وقيل: لبيان الجنس.
* (من ءامن منهم بالله واليوم الأخر) * بدل من * (أهله) * بدل البعض وهو مخصص لما دل عليه المبدل منه واقتصر في متعلق الإيمان بذكر المبدأ والمعاد لتضمن الإيمان بهما الإيمان بجميع ما يجب الإيمان به * (قال) * أي الله تعالى. * (ومن كفر) * عطف على * (من آمن) * أي - وارزق من كفر أيضا - فالطلب بمعنى الخبر على عكس * (ومن ذريتي) * (البقرة: 124) وفائدة العدول تعليم تعميم دعاء الرزق وأن لا يحجر في طلب اللطف وكأن إبراهيم عليه السلام قاس الرزق على الإمامة فنبهه سبحانه على أن الرزق رحمة دنيوية لا تخص المؤمن بخلاف الإمامة أو أنه عليه السلام لما سمع * (لا ينال) * (البقرة: 124) الخ احترز من الدعاء لمن ليس مرضيا عنده تعالى فأرشده إلى كرمه الشامل، وبما ذكرنا اندفع ما في " البحر " من أن هذا العطف لا يصح لأنه يقتضي التشريك في العامل فيصير: قال إبراهيم وارزق فينافيه ما بعد، ولك أن تجعل العطف على محذوف أي - أرزق من آمن ومن كفر - بلفظ الخبر ومن لا يقول بالعطف التلقيني يوجب ذلك ويجوز أن تكون * (من) * مبتدأ شرطية أو موصولة وقوله تعالى: * (فأمتعه قليلا) * على الأول: معطوف على * (كفر) * وعلى الثاني: خبر للمبتدأ - والفاء - لتضمن المبتدأ معنى الشرط ولا حاجة إلى تقدير - أنا - لأن ابن الحاجب نص على أن المضارع في الجزاء يصح اقترانه بالفاء إلا أن يكون استحسانا، وإلى عدم التقدير ذهب المبرد، ومذهب سيبويه وجوب التقدير وأيد بأن المضارع صالح للجزاء بنفسه فلولا أنه خبر مبتدأ لم يدخل عليه الفاء، ثم الكفر وإن لم يكن سببا للتمتع المطلق لكنه يصلح سببا لتقليله وكونه موصولا بعذاب النار - وقليلا - صفة لمحذوف أي متاعا أو زمانا قليلا وقرأ ابن عامر * (فأمتعه) * مخففا على الخبر، وكذا قرأ يحيى بن وثاب إلا أنه كسر الهمزة، وقرأ أبي - فنمتعه - بالنون وابن عباس ومجاهد * (فأمتعه) * على صيغة الأمر، وعلى هذه القراءة يتعين أن يكون الضمير في * (قال) * عائدا إلى إبراهيم وحسن إعادة * (قال) * طول الكلام وأنه انتقل من الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخرين فكأنه أخذ في كلام آخر وكونه عائدا إليه تعالى - أي: قال الله فأمتعه يا قادر يا رازق خطابا لنفسه على طريق التجريد - بعيد جدا لا ينبغي أن يلتفت إليه.
* (ثم أضطره إلى عذاب النار) * الاضطرار ضد الاختيار وهو حقيقة في كون الفعل صادرا من الشخص من غير تعلق إرادته به كمن ألقى من السطح مثلا مجاز في كون الفعل باختياره لكن بحيث لا يملك الامتناع عنه بأن عرض له عارض يقسره على اختياره كمن أكل الميتة حال المخمصة وبكلا المعنيين قال بعض، ويؤيد الأول
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»