تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٦٠
وهو القطع فتكون النون زائدة، وقيل: من البرهنة وهو البيان فتكون النون أصلية لفقدان فعلن ووجود فعلل ويبنى على هذا الاشتقاق الخلاف في - برهان - إذا سمي به هل ينصرف أولا؟
* (إن كنتم ص‍ادقين) * جواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ومتعلق الصدق دعواهم السابق لا - الإيمان - ولا - الأماني - كما قيل، وأفهم التعليق أنه لا بد من البرهان للصادق ليثبت دعواه، وعلل بأن كل قول لا دليل عليه غير ثابت عند الخصم فلا يعتد به، ولذا قيل: من ادعى شيئا بلا شاهد لا بد أن تبطل دعواه، وليس في الآية دليل على منع التقليد فإن دليل المقلد دليله كما لا يخفى، وتفسير الصدق هنا بالصلاح مما لا يدعو إليه سوى فساد الذهن.
* (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * * (بلى) * رد لقولهم الذي زعموه وإثبات لما تضمنه من نفي دخول غيرهم الجنة. والقول بأنه رد لما أشار إليه * (قل هاتوا برهانكم) * (البقرة: 111) من نفي أن يكون لهم برهان مما لا وجه له ولا برهان عليه * (من أسلم وجهه لله) * أي انقاد لما قضى الله تعالى وقدر، أو أخلص له نفسه أو قصده فلم يشرك به تعالى غيره، أو لم يقصد سواه فالوجه إما مستعار للذات وتخصيصه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء ومعدن الحواس وإما مجاز عن القصد لأن القاصد للشيء مواجه له * (وهو محسن) * حال من ضمير * (أسلم) * أي والحال إنه محسن في جميع أعماله، وإذا أريد بما تقدم الشرك يؤول المعنى إلى: (آمن وعمل الصالحات) وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله: " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " * (فله أجره) * أي الذي وعد له على ذلك لا الذي يستوجبه كما قاله الزمخشري رعاية لمذهب الاعتزال، والتعبير عما وعد بالأجر إيذانا بقوة ارتباطه بالعمل * (عند ربه) * حال من أجره والعامل فيه معنى الاستقرار، والعندية للتشريف، والمراد عدم الضياع والنقصان، وأتى - بالرب - مضافا إلى ضمير * (من أسلم) * إظهارا لمزيد اللطف به وتقريرا لمضمون الجملة، والجملة جواب * (من) * إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة والفاء فيها لتضمنها معنى الشرط، وعلى التقديرين يكون الرد ب (- لى) وحده وما بعده كلام مستأنف كأنه قيل: إذا بطل ما زعموه فما الحق في ذلك، وجوز أن تكون (من) موصولة فاعل ليدخلها محذوفا، و (بلى) مع ما بعدها رد لقولهم، ويكون * (فله أجره) * معطوفا على ذلك المحذوف عطف الاسمية على الفعلية لأن المراد بالأولى التجدد، وبالثانية الثبوت، وقد نص السكاكي بأن الجملتين إذا اختلفتا تجددا وثبوتا يراعى جانت المعنى فيتعاطفان * (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * تقدم مثله والجمع في الضمائر الثلاثة باعتبار معنى (من) كما أن الإفراد في الضمائر الأول باعتبار اللفظ، ويجوز في مثل هذا العكس إلا أن الأفصح أن يبدأ بالحمل على اللفظ ثم بالحمل على المعنى لتقدم اللفظ عليه في الإفهام.
* (وقالت اليهود ليست النص‍ارى على شىء وقالت النص‍ارى ليست اليهود على شىء وهم يتلون الكت‍ابكذالك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القي‍امة فيما كانوا فيه يختلفون) * * (وقالت اليهود ليست النص‍ارى على شيء وقالت النص‍ارى ليست اليهود على شيء) * المراد يهود المدينة ووفد نصارى نجران تماروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسابوا وأنكرت اليهود الإنجيل ونبوة عيسى عليه السلام وأنكر النصارى التوراة ونبوة موسى عليه السلام فأل في الموضعين للعهد وقيل: المراد عامة اليهود وعامة النصارى وهو من الإخبار عن الأمم السالفة، وفيه تقريع لمن بحضرته صلى الله عليه وسلم وتسلية له عليه الصلاة والسلام إذ كذبوا بالرسل والكتب قبله فأل في الموضعين للجنس، والأول: هو المروي في أسباب النزول، وعليه يحتمل أن يكون القائل كل واحد من آحاد الطائفتين وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»