تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٦٦
في الأماكن، والجملة على الأول: تذييل لمجموع * (ولله المشرق والمغرب) * الخ وعلى الثاني: تذييل لقوله سبحانه: * (فأينما تولوا) * الخ، ومن الغريب جعل ذلك تهديدا - لمن منع مساجد الله - وجعل الخطاب المتقدم لهم أيضا، فيؤول المعنى إلى أنه لا مهرب من الله تعالى لمن طغى، ولا مفر لمن بغى، لأن فلك سلطانه حدد الجهات، وسلطان علمه أحاط بالأفلاك الدائرات: أين المفر ولا مفر لهارب * وله البسيطان الثرى والماء ومن باب الإشارة: أن المشرق عبارة عن عالم النور والظهور وهو جنة النصارى وقبلتهم بالحقيقة باطنه، والمغرب عالم الأسرار والخفاء وهو جنة اليهود وقبلتهم بالحقيقة باطنه، أو المشرق عبارة عن إشراقه سبحانه على القلوب بظهور أنواره فيها والتجلي لها بصفة جماله حالة الشهود، والمغرب عبارة عن الغروب بتستره واحتجابه واختفائه بصفة جلاله حالة البقاء بعد الفناء ولله تعالى كل ذلك فأي جهة يتوجه المرء من الظاهر والباطن (فثم وجه الله) المتحلي بجميع الصفات المتجلي بما شاء منزها عن الجهات وقد قال قائل القوم: وما الوجه إلا واحد غير أنه * إذا أنت عددت المرايا تعدد * (إن الله واسع) * لا يخرج شيء عن إحاطته * (عليم) * فلا يخفى عليه شيء من أحوال خليقته ومظاهر صفته.
* (وقالوا اتخذ الله ولدا سبح‍انه بل له ما في السم‍اوات والارض كل له ق‍انتون) * * (وقالوا اتخذ الله ولدا) * نزلت في اليهود حيث - قالوا عزيز ابن الله - وفي نصارى نجران حين قالوا المسيح ابن الله وفي مشركي العرب حيث قالوا - الملائكة بنات الله - فالضمير لما سبق ذكره من النصارى واليهود والمشركين الذين لا يعلمون، وعطفه على * (قالت اليهود) * (البقرة: 113) وقال أبو البقاء على * (وقالوا لن يدخل الجنة) * (البقرة: 111): وجوز أن يكون عطفا على * (منع) * (البقرة: 114) أو على مفهوم - من أظلم - دون لفظه للاختلاف إنشائية وخبرية، والتقدير ظلموا ظلما شديدا بالمنع، وقالوا: وإن جعل من عطف القصة على القصة لم يحتج إلى تأويل، والاستئناف حينئذ بياني كأنه قيل بعدما عدد من قبائحهم هل انقطع خيط إسهابهم في الافتراء على الله تعالى أم امتد؟ فقيل: بل امتد فإنهم قالوا ما هو أشنع وأفظع، و - الاتخاذ - إما بمعنى الصنع والعمل فلا يتعدى إلا إلى واحد، وإما بمعنى التصيير، والمفعول الأول محذوف أي صير بعض مخلوقاته ولدا، وقرأ ابن عباس وابن عامر وغيرهما (قالوا) بغير واو على الاستئناف أو ملحوظا فيه معنى العطف، واكتفى بالضمير، والربط به عن الواو كما في " البحر " * (سبح‍انه) * تنزيه وتبرئة له تعالى عما قالوا: بأبلغ صيغة ومتعلق - سبحان - محذوف كما ترى لدلالة الكلام عليه. * (بل له ما في السم‍اوات والأرض) * إبطال لما زعموه وإضراب عما تقتضيه مقالتهم الباطلة من التشبيه بالمحدثات في التناسل والتوالد، والحاجة إلى الولد في القيام بما يحتاج الوالد إليه، وسرعة الفناء لأنه لازم للتركيب اللازم للحاجة، وكل محقق قريب سريع، ولإن الحكمة في التوالد هو أن يبقى النوع محفوظا بتوارد الأمثال فيما لا سبيل إلى بقاء الشخص بعينه مدة بقاء الدهر، وكل ذلك يمتنع على الله تعالى فإنه الأبدي الدائم والغنى المطلق المنزع عن مشابهة المخلوقات، واللام في * (له) * قيل للملك، وقيل: إنها كالتي في قولك لزيد - ضرب - تفيد نسبة الأثر إلى المؤثر، وقيل: للاختصاص بأي وجه كان، وهو الأظهر، والمعنى ليس الأمر كما افتروا بل هو خالق جميع الموجودات التي من جملتها ما زعموه ولدا، والخالق لكل موجود لا حاجة له إلى الولد إذ هو يوجد ما يشاء منزها عن الاحتياج إلى التوالد * (كل له ق‍انتون) * أي كل ما فيهما كائنا ما كان جميعا
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»