تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٦١
المراد بذلك رجلين رجل من اليهود يقال له نافع بن حرملة ورجل من نصارى نجران ونسبة ذلك للجميع حيث وقع من بعضهم وهي طريقة معروفة عند العرب في نظمها ونثرها وهذا بيان لتضليل كل فريق صاحبه بخصوصه إثر بيان تضليله كل من عداه على وجه العموم، و * (على شيء) * خبر ليس، وهو عند بعض من باب حذف الصفة أي شيء بعتد به في الدين لأنه من المعلوم أن كلا منهما على شيء، والأولى عدم اعتبار الحذف، وفي ذلك مبالغة عظيمة لأن الشيء - كما يشير إليه كلام سيبويه - ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فإذا نفى مطلقا كان ذلك مبالغة في عدم الاعتداد بما هم عليه وصار كقولهم - أقل من لا شيء - * (وهم يتلون الكت‍اب) * حال من الفريقين بجعلهما فاعل فعل واحد لئلا يلزم إعمال عاملين في معمول واحد أي قالوا ذلك وهم عالمون بما في كتبهم الناطقة بخلاف ما يقولون، وفي ذلك توبيخ لهم وإرشاد للمؤمنين إلى أن من كان عالما بالقرآن لا ينبغي أن يقول خلاف ما تضمنه، والمراد من الكتاب الجنس فيصدق على التوراة والإنجيل، وقيل: المراد به التوراة لأن النصارى تمتثلها أيضا.
* (كذلك قال الذين لا يعلمون) * وهم مشركو العرب في قول الجمهور، وقيل: مشركو قريش، وقيل: هم أمم كانوا قبل اليهود والنصارى، وأما القول بأنهم اليهود وأعيد قولهم مثل قول النصارى ونفى عنهم العلم حيث لم ينتفعوا به فالظاهر أنه قول: * (الذين لا يعلمون) * والكاف من * (كذلك) * في موضع نصب على أنه نعت لمصدر محذوف منصوب ب (قال) مقدم عليه أي قولا مثل قول اليهود والنصارى * (قال الذين لا يعلمون) * ويكون * (مثل قولهم) * على هذا منصوبا ب * (يعلمون) * والقول بمعنى الاعتقاد، أو بقال على أنه مفعول به أو بدل من محل الكاف، وقيل: * (كذلك) * مفعول به و * (مثل) * مفعول مطلق، والمقصود تشبيه المقول بالمقول في المؤدي والمحصول، وتشبيه القول بالقول في الصدور عن مجرد التشهي والهوى والعصبية، وجوزوا أن تكون الكاف في موضع رفع بالابتداء والجملة بعده خبره والعائد محذوف أي قاله، و * (مثل) * صفة مصدر محذوف، أو مفعول * (يعلمون) * ولا يجوز أن يكون مفعول (قال) لأنه قد استوفى مفعوله، واعترض هذا بأن حذف العائد - على المبتدأ الذي لو قدر خلو الفعل عن الضمير لنصبه - مما خصه الكثير بالضرورة ومثلوا له بقوله: وخالد يحمد ساداتنا * بالحق (لا تحمد) بالباطل وقيل: عليه وعلى ما قبله أن استعمال الكاف اسما وإن جوزه الأخفش إلا أن جماعة خصوه بضرورة الشعر مع أنه قد يؤل ما ورد منه فيه على أنه لا يخفى ما في توجيه التشبيهين دفعا لتوهم اللغوية من التكلف والخروج عن الظاهر، ولعل الأولى أن يجعل * (مثل قولهم) * إعادة لقوله تعالى: * (كذلك) * للتأكيد والتقرير كما في قوله تعالى: * (جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) * (يوسف: 75) وبه قال بعض المحققين، وقد يقال: إن كذلك ليست للتشبيه هنا بل لإفادة أن هذا الأمر عظيم مقرر، وقد نقل الوزير عاصم بن أيوب في شرح قول زهير: (كذلك) خيمهم ولكل قوم * إذا مستهم الضراء خيم عن الإمام الجرجاني إن * (كذلك) * تأتي للتثبيت إما لخبر مقدم وإما لخبر متأخر وهي نقيض كلا لأن كلا تنفي وكذلك تثبت ومثله * (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين) * (الحجر: 12) وفي " شرح المفتاح " الشريفي إنه ليس المقصود من التشبيهات هي المعاني الوضعية فقط إذ تشبيهات البلغاء قلما تخلو من مجازات وكنايات فنقول: إنا رأيناهم يستعملون كذا وكذا للاستمرار تارة نحو عدل زيد في قضية فلان كذا وهكذا أي عدل مستمر، وقال الحماسي:
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 ... » »»