تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٦٢
(هكذا) يذهب الزمان ويفنى ال‍ * - علم فيه ويدرس الأثر نص عليه التبريزي في " شرح الحماسة " وله شواهد كثيرة، وقال في شرح قول أبي تمام: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر إنه للتهويل والتعظيم وهو في صدر القصيدة لم يسبق ما يشبه به، وسيأتي لذلك تتمة إن شاء الله تعالى، وإنما جعل قول أولئك مشبها به لأنه أقبح إذ الباطل من العالم أقبح منه من الجاهل، وبعضهم يجعل التشبيه على حد * (إنما البيع مثل الربا) * (البقرة: 275) وفيه من المبالغة والتوبيخ على التشبه بالجهال ما لا يخفى وإنما وبخوا، وقد صدقوا إذ كلا الدينين بعد النسخ ليس بشيء لأنهم لم يقصدوا ذلك وإما قصد كل فريق إبطال دين الآخر من أصله والكفر بنبيه وكتابه على أنه لا يصح الحكم بأن كلا الدينين بعد النسخ ليس بشيء يعتد به لأن المتبادر منه أن لا يكون كذلك في حد ذاته وما لا ينسخ منهما حق واجب القبول والعمل فيكون شيئا معتدا به في حد ذاته وإن يكن شيئا بالنسبة إليهم لأنه لا انتفاع بما لم ينسخ مع الكفر بالناسخ.
* (فالله يحكم بينهم يوم القي‍امة فيما كانوا فيه يختلفون) * أي بين اليهود والنصارى لا بين الطوائف الثلاثة لأن مساق النظم لبيان حال تينك الطائفتين والتعرض لمقالة غيرهم لإظهار كمال بطلان مقالهم والحكم الفصل والقضاء وهو يستدعي جارين فيقال: حكم القاضي في هذه الحادثة بكذا، وقد حذف هنا أحدهما اختصارا وتفخيما لشأنه أي بما يقسم لكل فريق ما يليق به من العذاب، والمتبادر من الحكم بين فريقين أن يحكم لأحدهما بحق دون الآخر فكأن استعماله بما ذكر مجاز، وقال الحسن: المراد بالحكم بين هذين الفريقين تكذيبهم وإدخالهم النار وفي ذلك تشريك في حكم واحد وهو بعيد عن حقيقة الحكم، و * (يوم) * متعلق ب * (يحكم) * وكذا ما بعده ولا ضير لاختلاف المعنى، وفيه متعلق ب * (يختلفون) * لا ب * (كانوا) * وقدم عليه للمحافظة على رؤوس الآي.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (ما ننسخ من آية) * (البقرة: 106) أي ما نزيل من صفاتك شيئا عن ديوان قلبك أو نخفيه بإشراق أنوارنا عليه إلا ونرقم فيه من صفاتنا التي لا تظن قابليتك لما يشاركها في الاسم والتي تظن وجود ما لا يشاركها فيك * (ألم تعلم أن الله له ملك) * (البقرة: 107) عالم الأرواح وأرض الأجساد وهو المتصرف فيهما بيد قدرته بل العوالم على اختلافها ظاهر شؤون ذاته ومظهر أسمائه وصفاته فلم يبق شيء غيره ينصركم ويليكم * (أم تريدون أن تسألوا) * رسول العقل من اللذات الدنية والشهوات الدنيوية * (كما سئل موسى) * القلب * (من قبل ومن يتبدل) * (البقرة: 108) الظلمة بالنور فقد ضل الطريق المستقيم وقالت اليهود لن يدخل الجنة المعهودة عندهم وهي جنة الظاهر وعالم الملك التي هي جنة الأفعال وجنة النفس * (إلا من كان هودا) * وقالت النصارى لن يدخل الجنة المعهودة عندهم وهي جنة الباطن وعالم الملكوت التي هي جنة الصفات وجنة القلب إلا من كان نصرانيا، ولهذا قال عيسى عليه السلام: لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين * (تلك أمانيهم) * أي غاية مطالبهم التي وقفوا على حدها واحتجبوا بها عما فوقها * (قل هاتوا) * دليلكم الدال على نفي دخول غيركم * (إن كنتم صادقين) * (البقرة: 111) في دعواكم بل الدليل دل على نقيض مدعاكم فإن * (من أسلم وجهه) * وخلص ذاته من جميع لوازمها وعوارضها لله تعالى بالتوحيد الذاتي عند المحو الكلي وهو مستقيم في أحواله بالبقاء بعد الفناء مشاهد ربه في أعماله راجع من الشهود الذاتي إلى مقام الإحسان الصفاتي الذي هو المشاهدة للوجود الحقاني * (فله أجره عند ربه) * (البقرة: 112) أي ما ذكرتم من الجنة وأصفى لاختصاصه بمقام العندية التي حجبتم عنها ولهم زيادة على ذلك هي عدم خوفهم من احتجاب الذات وعدم حزنهم على ما فاتهم من جنة الأفعال والصفات التي حجبتم بالوقوف عندها * (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء) * لاحتجابهم بالباطن عن الظاهر * (وقالت النصارى ليست
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»