من النسخ، والتفاوت المستفاد من الخرية في وقت دون آخر من روادف الحدث وتوابعه فلا يتحقق بدونه، وأجيب بأن التغير والتفاوت من عوارض ما يتعلق به الكلام النفسي القديم وهي الأفعال في الأمر والنهي والنسب الخبرية في الخبر وذلك يستدعيهما في تعلقاته دون ذاته؛ وأجاب الإمام الرازي بأن الموصوف بهما الكلام اللفظي، والقديم عندنا الكلام النفسي، واعترض بأنه مخالف لما اتفقت عليه آراء الأشاعرة من أن الحكم قديم والنسخ لا يجري إلا في الأحكام، وقرأ أبو عمرو - نات - بقلب الهمزة ألفا.
* (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) * الاستفهام قيل: للتقرير وقيل: للإنكار، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وأريد بطريق الكناية هو وأمته المسلمون وإنما أفرده لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم ومبدأ علمهم، ولإفادة المبالغة مع الاختصار، وقيل: لكل واقف عليه على حد " بشر المشائين " وقيل: لمنكري النسخ، والمراد الاستشهاد بعلم المخاطب بما ذكر على قدرته تعالى على النسخ وعلى الإتيان بما هو خير أو مماثل لأن ذلك من جملة الأشياء المقهورة تحت قدرته سبحانه فمن علم شمول قدرته عز وجل على جميع الأشياء علم قدرته على ذلك قطعا، والالتفات بوضع الاسم الجليل موضع الضمير لتربية المهابة، ولأنه الاسم العلم الجامع لسائر الصفات، ففي ضمنه صفة القدرة فهو أبلغ في نسبة القدرة إليه من ضمير المتكلم المعظم، وكذا الحال في قوله عز شأنه:
* (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) * * (ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض) * أي قد علمت أيها المخاطب أن الله تعالى له السلطان القاهر، والاستيلاء الباهر، المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلي - إيجادا وإعداما، وأمرا ونهيا - حسبما تقتضيه مشيئته، لا معارض لأمره، ولا معقب لحكمه، فمن هذا شأنه كيف يخرج عن قدرته شيء من الأشياء؟! فيكون الكلام على هذا كالدليل لما قبله في إفادة البيان، فيكون منزلا منزلة عطف البيان من متبوعه في إفادة الإيضاح، فلذا ترك العطف وجوز أن يكون تكريرا للأول وإعادة للاستشهاد على ما ذكر، وإنما لم تعطف * (أن) * مع ما في حيزها على ما سبق من مثلها روما لزيادة التأكيد وإشعارا باستقلال العلم بكل منهما وكفاية في الوقوف على ما هو المقصود، وخص السموات والأرض - بالملك - لأنهما من أعظم المخلوقات الظاهرة، ولأن كل مخلوق لا يخلو عن أن يكون في إحدى هاتين الجهتين فكان في الاستيلاء عليهما إشارة إلى الاستيلاء على ما اشتملا عليه، وبدأ سبحانه بالتقرير على وصف القدرة لأنه منشئا لوصف الاستيلاء والسلطان، ولم يقل جل شأنه: إن لله ملك الخ قصدا إلى تقوي الحكم بتكرير الإسناد.
* (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) * عطف على الجملة الواقعة خبرا ل (أن) داخل معها حيث دخلت، وفيه إشارة إلى تناول الخطاب فيما قبل للأمة أيضا، و * (من) * الثانية صلة فلا تتعلق بشيء، و * (من) * الأولى: لابتداء الغاية وهي متعلقة بمحذوف وقع حالا من مدخول * (من) * الثانية: - وهو في الأصل صفة له - فلما قدم انتصب على الحالية وفي " البحر " أنها متعلقة بما تعلق به * (لكم) * وهو في موضع الخبر؛ ويجوز في: (ما) أن تكون تميمية وأن تكون حجازية على رأي من يجيز تقدم خبرها إذا كان ظرفا أو مجرورا - والولي - المالك، و - النصير - المعين، والفرق بينهما أن المالك قد لا يقدر على النصرة أو قد يقدر ولا يفعل، والمعين قد يكون مالكا وقد لا يكون - بل يكون أجنبيا - والمراد من الآية الاستشهاد على تعلق إرادته تعالى بما ذكر من الإتيان بما هو خير من المنسوخ أو بمثله، فإن مجرد قدرته تعالى على ذلك لا يستدعي حصوله ألبتة، وإنما الذي يستدعيه كونه تعالى مع ذلك وليا نصيرا لهم، فمن علم أنه تعالى وليه ونصيره لا ولي ولا نصير له سواه يعلم قطعا أنه لا يفعل به إلا ما هو خير له فيفوض أمره إليه تعالى، ولا يخطر بباله ريبة في أمر النسخ وغيره أصلا.
* (أم تريدون أن تسالوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سوآء السبيل) *