طرح ما لا يعتد به - كالنعل البالية - لكنه غلب فيما من شأنه أن ينسى لعدم الاعتداد به، ونسبة - النبذ - إلى - العهد - مجاز - والنبذ - حقيقة إنما هو في المتجسدات نحو * (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) * (القصص: 40) - والفريق - اسم جنس لا واحد له يقع على القليل والكثير، وإنما قال: (فريق) لأن منهم من لم ينبذه. وقرأ عبد الله * (نقضه) * قال في " البحر ": وهي قراءة تخالف سواد المصحف - فالأولى حملها على التفسير - وليس بالقوي إذ لا يظهر للتفسير دون ذكر المفسر خلال القراءة وجه.
* (بل أكثرهم لا يؤمنون) * يحتمل أن يراد - بالأكثر النابذون - وأن يراد من عداهم فعلى الأول: يكون ذلك ردا لما يتوهم أن - الفريق - هم الأقلون بناء على أن المتبادر منه القليل وعلى الثاني: رد لما يتوهم أن من لم ينبذ جهارا يؤمنون به سرا، والعطف على التقديرين من عطف الجمل، ويحتمل أن يكون من عطف المفردات بأن يكون أكثرهم معطوفا على * (فريق) * وجملة * (لا يؤمنون) * حال من * (أكثرهم) * والعامل فيها * (نبذه) *.
* (ولما جآءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتابكتابالله ورآء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) * * (ولما جاءهم رسول) * ظرف لنبذ والجملة عطف على سابقتها داخلة تحت الإنكار، والضمير لبني إسرائيل لا لعلمائهم فقط، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتكثير للتفخيم، وقيل: عيسى عليه السلام، وجعله مصدرا بمعنى الرسالة كما في قوله: لقد كذب الواشون ما بحت عندهم * بليلى ولا أرسلتهم برسول خلاف الظاهر * (من عند الله) * متعلق ب (جاء) أو بمحذوف وقع صفة للرسول لإفادة مزيد تعظيمه إذ قدر الرسول على قدر المرسل * (مصدق لما معهم) * أي من التوراة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم جاء على الوصف الذي ذكر فيها، أو أخبر بأنها كلام الله تعالى المنزل على نبيه موسى عليه السلام، أو صدق ما فيها من قواعد التوحيد وأصول الدين، وإخبار الأمم والمواعظ والحكم، أو أظهر ما سألوه عنه من غوامضها، وحمل بعضهم (ما) على العموم لتشمل جميع الكتب الإلهية التي نزلت قبل، وقرأ ابن أبي عبلة: * (مصدقا) * بالنصب على الحال من النكرة الموصوفة.
* (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب) * أي التوراة وهم اليهود الذين كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم لا الذين كانوا في عهد سليمان عليه السلام - كما توهمه بعضهم من اللحاق - لأن - النبذ - عند مجىء النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصور منهم، وإفراد هذا - النبذ - بالذكر مع اندراجه في قوله تعالى: * (أو كلما عاهدوا) * (البقرة: 100) الخ، لأنه معظم جناياتهم، ولأنه تمهيد لما يأتي بعد. والمراد - بالإيتاء - إما إيتاء علمها فالموصول عبارة عن علمائهم، وإما مجرد إنزالها عليهم فهو عبارة عن الكل، ولم يقل: فريق منهم إيذانا بكمال التنافي بين ما ثبت لهم في حيز الصلة وبين ما صدر عنه من النبذ.
* (كتاب الله) * مفعول * (نبذ) * والمراد به التوراة لما روي عن السدي أنه قال: لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والفرقان فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم توافق القرآن، فهذا قوله تعالى: * (ولما جاءهم رسول) * الخ، ويؤيده أن النبذ يقتضي سابقة الأخذ في الجملة - وهو متحقق بالنسبة إليها - وأن المعرفة إذا أعيدت معرفة كان الثاني عين الأول، وأن مذمتهم في أنهم نبذوا الكتاب الذي أوتوه واعترفوا بحقيته أشد فإنه يفيد أنه كان مجرد مكابرة وعناد، ومعنى نبذهم لها اطراح أحكامها، أو ما فيها من صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: القرآن، وأيده أبو حيان بأن الكلام مع الرسول فيصير المعنى أنه يصدق ما بأيديهم من التوراة، وهم بالعكس