فاعل (مزحزحه) والمعنى - ما أحدهم يزحزحه من العذاب تعميره - وفيه إشارة إلى ثبوت من - يزحزحه التعمير - وهو (من آمن وعمل صالحا) ولا يجوز عند المحققين أن يكون الضمير المرفوع للشأن لأن مفسره جملة، ولا تدخل - الباء في خبر * (ما) * وليس إلا إذا كان مفردا عند غير الفراء، وأجاز ذلك أبو علي، وهو ميل منه إلى مذهب الكوفيين من أن مفسر ضمير الشأن يجوز أن يكون غير جملة إذا انتظم إسنادا معنويا نحو ما هو بقائم زيد؛ نعم جوزوا أن يكون لما دل عليه * (يعمر) * و * (أن يعمر) * بدل منه، أي: ما تعميره بمزحزحه من العذاب واعترض بأن فيه ضعفا للفصل بين البدل والمبدل منه، وللإبدال من غير حاجة إليه، وأجاب بعض المحققين أنه لما كان لفظ - التعمير - غير مذكور، بل ضميره حسن الإبدال؛ ولو كان التعمير مذكورا بلفظه لكان الثاني تأكيدا - لا بدلا - ولكونه في الحقيقة تكريرا يفيد فائدته من تقرير المحكوم عليه اعتناء بشأن الحكم بناء على شدة حرصه على التعمير - ووداده إياه - جاز الفصل بينه وبين المبدل منه بالخبر، كما في التأكيد في قوله تعالى: * (وهم بالآخرة هم كافرون) * (هود: 19) وقيل: هو ضمير مبهم يفسره البدل فهو راجع إليه لا إلى شيء متقدم مفهوم من الفعل، والتفسير بعد الإبهام ليكون أوقع في نفس السامع، ويستقر في ذهنه كونه محكوما عليه بذلك الحكم والفصل بالظرف بينه وبين مفسره جائز - كما يفهمه كلام الرضي في بحث أفعال المدح والذم - واحتمال أن يكون (هو) ضمير فصل قدم مع الخبر بعيد - والزحزحة - التبعيد، وهو مضاعف من زح يزح زحا، ككبكب من كب - وفيه مبالغة - لكنها متوجهة إلى النفي على حد ما قيل: * (وما ربك بظلام للعبيد) * (فصلت: 46) فيؤول - إلى أنه لا يؤثر في إزالة العذاب أقل تأثير - التعمير، وصح ذلك مع أن التعمير يفيد رفع العذاب مدة البقاء، لأن الإمهال بحسب الزمان وإن حصل، لكنهم لاقترافهم المعاصي بالتعمير زاد عليهم من حيث الشدة فلم يؤثر في إزالته أدنى تأثير بل زاد فيه حيث استوجبوا بمقابلة (أيام معدودة) عذاب الأبد.
* (والله بصير بما يعملون) * أي عالم بخفيات أعمالهم - فهو مجازيهم لا محالة - وحمل - البصر - على - العلم - هنا وإن كان بمعنى الرؤية صفة لله تعالى أيضا لأن بعض الأعمال لا يصح أن يرى - على ما ذهب إليه بعض المحققين - وفي هذه الجملة من التهديد والوعيد ما هو ظاهر، و (ما) إما موصولة أو مصدرية، وأتى بصيغة المضارع لتواخي الفواصل، وقرأ الحسن وقتادة والأعرج ويعقوب * (تعملون) * - بالتاء - على سبيل الالتفات.
* (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) * * (قل من كان عدوا لجبريل) * أخرج ابن أبي شيبة في " مسنده "، وابن جرير. وابن أبي حاتم عن الشعبي، أنه دخل عمر رضي الله تعالى عنه مدارس اليهود يوما فسألهم عن جبريل فقالوا: ذاك عدونا، يطلع محمدا على أسرارنا، وأنه صاحب كل خسف وعذاب، وميكائيل صاحب الخصب والسلام فقال: ما منزلتهما من الله تعالى؟ قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره - وبينهما عداوة - فقال: لئن كانا كما تقولون فليسا بعدوين، ولأنتم أكفر من الحمير، ومن كان عدوا لأحدهما فهو عدو لله. ثم رجع عمر فوجد جبريل قد سبقه بالوحي، فقال صلى الله عليه وسلم: " لقد وافقك ربك يا عمر " قال عمر: لقد رأيتني بعد ذلك أصلب من الحجر، وقيل: نزلت في عبد الله بن صوريا - كان يهوديا من أحبار فدك - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن ينزل عليه فقال: " جبريل " فقال: ذاك عدونا عادانا مرارا، وأشدها أنه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخربه بخت نصر، فبعثنا من يقتله فرآه ببابل، فدفع عنه جبريل وقال: إن كان ربكم أمره بهلاككم فلا يسلطكم عليه، وإلا فبم تقتلونه؟ وصدقه الرجل المبعوث ورجع إلينا، وكبر بختنصر وقوي