تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٣٨
وكذا العهد لا يصلح كونه مقروءا عليه، ومن الأصحاب من أنكر مجىء - على - بمعنى - في - وجعل هذا من تضمين تتلو معنى تتقول، أو الملك عبارة عن الكرسي لأنه كان من آلات ملكه، فالكلام على حد قرأت على المنبر، والمراد بما يتلونه السحر، فقد أخرج سفيان بن عيينة وابن جرير والحاكم، وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: " إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فإذا سمع أحدهم بكلمة كذب عليها ألف كذبة، فأشربتها قلوب الناس واتخذوها دوادوين فأطلع الله تعالى على ذلك سليمان بن داود فأخذها وقذفها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع؟ قالوا: نعم فأخرجوه فإذا هو سحر فتناسختها الأمم فأنزل الله تعالى عذر سليمان فيما قالوا من السحر " وقيل: روي أن سليمان كان قد دفن كثيرا من العلوم التي خصه الله تعالى بها تحت سرير ملكه خوفا على أنه إذا هلك الظاهر منها يبقى ذلك المدفون فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ثم بعد موته واطلاع الناس على تلك الكتب أو هموهم أنها من علم سليمان، ولا يخفى ضعف هذه الرواية، وسليمان - كما في " البحر " - اسم أعجمي، وامتنع من الصرف للعلمية والعجمة، ونظيره من الأعجمية في أن آخره ألف ونون - هامان وماهان وشامان - وليس امتناعه من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون كعثمان لأن زيادتهما موقوفة على الاشتقاق والتصريف، وهما لا يدخلان الأسماء الأعجمية وكثير من الناس اليوم على خلافه.
* (وما كفر سليم‍ان) * اعتراض لتبرئة سليمان عليه السلام عما نسبوه إليه، فقد أخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: قال اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل يذكر سليمان مع الأنبياء، وإنما كان ساحرا يركب الريح، وعبر سبحانه عن السحر بالكفر بطريق الكناية رعاية لمناسبة * (لكن) * الاستدراكية في قوله تعالى * (ول‍اكن الشي‍اطين كفروا يعلمون الناس السحر) * فإن (كفروا) معها مستعمل في معناه الحقيقي وجملة (يعلمون) حال من الضمير، وقيل: من الشياطين، ورد بأن (لكن) لا تعمل في الحال، وأجيب بأن فيها رائحة الفعل وقيل: بدل من (كفروا)، وقيل: استئناف والضمير - للشياطين - أو - للذين اتبعوا - والسحر في الأصل مصدر سحر يسحر بفتح العين فيهما إذا أبدى ما يدق ويخفى وهو من المصادر الشاذة، ويستعمل بما لطف وخفي سببه، والمراد به أمر غريب يشبه الخارق - وليس به - إذ يجري فيه التعلم ويستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان بارتكاب القبائح، قولا كالرقى التي فيها ألفاظ الشرك ومدح الشيطان وتسخيره، وعملا كعبادة الكواكب؛ والتزام الجناية وسائر الفسوق، واعتقادا كاستحسان ما يوجب التقرب إليه ومحبته إياه وذلك لا يستتب إلا بمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس فإن التناسب شرط التضام والتعاون فكما أن الملائكة لا تعاون إلا أخيار الناس المشبهين بهم في المواظبة على العبادة والتقرب إلى الله تعالى بالقول والفعل كذلك الشياطين لا تعاون إلا الأشرار المشبهين بهم في الخباثة والنجاسة قولا وفعلا واعتقادا، وبهذا يتميز الساحر عن النبي والولي، فلا يرد ما قال المعتزلة: من أنه لو أمكن للإنسان من جهة الشيطان ظهور الخوارق والإخبار عن المغيبات لاشتبه طريق النبوة بطريق السحر، وأما ما يتعجب منه - كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات المركبة على النسبة الهندسية تارة، وعلى صيرورة الخلاء ملاء أخرى، وبمعونة الأدوية كالنارنجيات أو يريه صاحب خفة اليد - فتسميته سحرا على التجوز وهو مذموم أيضا
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»