تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٠١
كلام اللائمين، ومفعوله إما ما ذكر أولا، أو لا: مفعول له - وهو أبلغ - وقيل: هو خطاب من الله تعالى للمؤمنين متصل بقوله تعالى: * (أفتطمعون) * (البقرة: 75) والمعنى: أفلا تعقلون حال هؤلاء اليهود وأن لا مطمع في إيمانهم، وهم على هذه الصفات الذميمة والأخلاق القبيحة [بم ويبعده قوله تعالى:
* (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) * * (أولا يعلمون) * فإنه تجهيل لهم منه تعالى فيما حكى عنهم فيكون توسيط خطاب المؤمنين في أثنائه من قبيص الفصل بين الشجرة ولحائها على أن في تخصيص الخطاب بالمؤمنين تعسفا ما، وفي تعميمه للنبي صلى الله عليه وسلم سوء أدب - كما لا يخفى - والاستفهام فيه للإنكار مع التقريع لأن أهل الكتاب كانوا عالمين بإحاطة علمه تعالى والمقصود بيان شناعة فعلهم بأنهم يفعلون ما ذكر مع علمهم.
* (أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) * وفيه إشارة إلى أن الآتي بالمعصية مع العلم بكونها معصية أعظم وزرا - والواو - للعطف على مقدر ينساق إليه الذهن - والضمير للموبخين - أي أيلومونهم على التحديث المذكور مخافة المحاجة ولا يعلمون ما ذكر، وقيل: الضمير للمنافقين فقط، أولهم وللموبخين، أو لآبائهم المحرفين، والظاهر حمل ما في الموضعين على العموم ويدخل فيه الكفر الذي أسروه، والإيمان الذي أعلنوه، واقتصر بعض المفسرين عليهما، وقيل: العداوة والصداقة، وقيل:
صفته صلى الله عليه وسلم التي في التوراة المنزلة والصفة التي أظهروها افتراء على الله تعالى؛ وقدم سبحانه الإسرار على الإعلان، إما لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يعلن إلا وهو أو مباديه قبل ذلك مضمر في القلب يتعلق به الإسرار غالبا، فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية، وإما للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر، وإما للمبالغة في بيان شمول علمه المحيط بجميع الأشياء كان علمه بما يسرون أقدم منه بما يعلنونه مع كونهما - في الحقيقة - على السوية، فإن علمه تعالى ليس بطريق حصول الصورة، بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأشياء البارزة ولا الكامنة، وعكس الأمر في قوله تعالى: * (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * (البقرة: 284) لأن الأصل فيما تتعلق المحاسبة به هو الأمور البادية دون الخافية، وقرأ ابن محيصن: * (أولا تعلمون) * - بالتاء - فيحتمل أن يكون ذلك خطابا للمؤمنين أو خطابا لهم، ثم إنه تعالى أعرض عن خطابهم وأعاد الضمير إلى الغيبة إهمالا لهم، ويكون ذلك من باب الالتفات.
* (ومنهم أميون لا يعلمون الكت‍ابإلا أمانى وإن هم إلا يظنون) * * (ومنهم أميون لا يعلمون الكت‍اب) * مستأنفة مسوقة لبيان قبائح جهلة اليهود أثر بيان شنائع الطوائف السالفة، وقيل: عطف على * (قد كان فريق منهم) * (البقرة: 75) وعليه الجمع، وقيل: على * (وإذا لقوا) * (البقرة: 76) واختار بعض المتأخرين أنه وهذا الذي عطف عليه اعتراض وقع في البين لبيان أصناف اليهود استطرادا لأولئك المحرفين، والأميون جمع - أمي - وهو - كما في " المغرب " - من لا يكتب ولا يقرأ منسوب إلى أمة العرب الذين كانوا لا يكتبون ولا يقرءون، أو إلى الأم بمعنى أنه كما ولدته أمه، أو إلى أم القرى لأن أهلها لا يكتبون غالبا، والمراد أنهم جهلة، و (الكتاب) التوراة - كما يقتضيه سباق النظم وسياقه - فاللام - فيه إما للعهد أو أنه من الأعلام الغالبة، وجعله مصدر كتب كتابا - واللام - للجنس بعيد، وقرأ ابن أبي عبلة: * (أميون) * بالتخفيف.
* (إلا أماني) * جمع - أمنية - وأصلها - أمنونة، أفعولة وهو في الأصل ما يقدره الإنسان في نفسه من - منى - إذا قدر، ولذلك تطلق على الكذب وعلى ما يتمنى وما يقرأ، والمروى عن ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم أن - الأماني - هنا - الأكاذيب - أي إلا أكاذيب أخذوها تقليدا من شياطينهم المحرفين، وقيل: إلا ما هم عليه من أمانيهم أن الله تعالى يعفو عنهم ويرحمهم، ولا يؤاخذهم بخطاياهم
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»