نهرا غير معتاد فضلا عن كونها أنهارا، والتشقق التصدع بطول أو بعرض، والخشية الخوف، واختلف في المراد منها فذهب قوم - وهو المروي عن مجاهد وغيره - أنها هنا حقيقة، وهي مضافة إلى الاسم الكريم من إضافة المصدر إلى مفعوله - أي من خشية الحجارة الله - ويجوز أن يخلق الله تعالى العقل والحياة في الحجر، واعتدال المزاج والبنية ليسا شرطا في ذلك خلافا للمعتزلة، وظواهر الآيات ناطقة بذلك، وفي " الصحيح " " إني لأعرف حجرا كان يسلم علي قبل أن أبعث " وأنه صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه ما مر بحجر ولا مدر إلا سلم عليه، وورد في - الحجر الأسود - أنه يشهد لمن استلمه، وحديث تسبيح الحصى بكفه الشريف صلى الله عليه وسلم مشهور، وقيل: هي حقيقة، والإضافة هي الإضافة إلا أن الفاعل محذوف هو العباد، والمعنى: أن من الحجارة ما ينزل بعضه عن بعض عند الزلزال من خشية عباد الله تعالى إياه؛ وتحقيقه أنه لما كان المقصود منها خشية الله تعالى صارت تلك الخشية كالعلة المؤثرة في ذلك الهبوط فيؤل المعنى أنه يهبط من أجل أن يحصل خشية العباد الله تعالى.
وذهب أبو مسلم إلى أن الخشية حقيقة، وأن الضمير في * (منها لما يهبط) * عائد على القلوب، والمعنى أن من القلوب قلوبا تطمئن وتسكن وترجع إلى الله تعالى، وهي قلوب المخلصين، فكنى عن ذلك بالهبوط، وقيل: إنها حقيقة إلا أن إضافتها من إضافة المصدر إلى الفاعل، والمراد بالحجر البرد، وبخشيته تعالى إخافته عباده بإنزاله وهذا القول أبرد من الثلج وما قبله أكثف من الحجر وما قبلهما بين بين وقال قوم: إن الخشية مجاز عن الانقياد لأمر الله تعالى إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم، ولا ينبغي أن تحمل على حقيقتها، أما على القول بأن اعتدال المزاج والبنية شرط وما ورد مما يقتضي خلافه محمول على أن الله تعالى قرن ملائكته بتلك الجمادات، ومنها هاتيك الأفعال ونحو " هذا جبل يحبنا ونحبه " على حذف مضاف أي يحبنا أهله ونحب أهله فظاهر.
وأما على القول بعدم الاشتراط فلأن الهبوط والخشية على تقدير خلق العقل والحياة لا يصح أن يكون بيانا لكون الحجارة في نفسها أقل قسوة - وهو المناسب للمقام - والاعتراض بأن قلوبهم إنما تمتنع عن الانقياد لأمر التكليف بطريق القصد والاختيار ولا تمتنع عما يراد بها على طريق القسر والإلجاء كما في الحجارة وعلى هذا لا يتم ما ذكر، فالأولى الحمل على الحقيقة أجيب عنه بأن المراد أن قلوبهم أقسى من الحجارة لقبولها التأثر الذي يليق بها وخلقت لأجله بخلاف قلوبهم فإنها تنبو عن التأثر الذي يليق بها وخلقت له، والجواب بأن ما رأوه من الآيات مما يقسر القلب ويلجؤه فلما لم تتأثر قلوبهم عن القاسرات الكثيرة ويتأثر الحجر من قاسر واحد تكون قلوبهم أشد قسوة لا يخلو عن نظر لأنه إن أريد بذلك المبالغة في الدلالة على الصدق فلا ينفع، وإن أريد به حقيقة الإلجاء فممنوع، وإلا لما تخلف عنها التأثر ولما استحق من آمن بعد رؤيتها الثواب لكونه إيمانا اضطراريا - ولم يقل به أحد - ثم الظاهر على هذا تعلق خشية الله بالأفعال الثلاثة السابقة وقرىء * (وإن) * على أنها المخففة من الثقيلة ويلزمها - اللام - الفارقة بينها وبين النافية، والفراء يقول: إنها النافية - واللام - بمعنى إلا وزعم الكسائي أن * (إن) * إن وليها اسم كانت المخففة، وإن فعل كانت النافية، وقطرب إنها إن وليها فعل كانت بمعنى - قد - وقرأ مالك بن دينار * (ينفجر) * مضارع انفجر والأعمش * (يتشقق) * و * (يهبط) * - بالضم -. * (وما الله عما تعملون) * وعيد على ما ذكر كأنه قيل: إن الله تعالى لبالمرصاد لهؤلاء القاسية قلوبهم حافظ لأعمالهم محص لها، فهو مجازيهم بها في الدنيا والآخرة، وقرأ ابن كثير * (يعملون) * - بالياء التحتانية - ضما إلى