إلى ساحل النجاة * (وأن إلى ربك المنتهى) * (النجم: 42) ويقال لفرعون وقومه إذا غرقوا وأدخلوا نارا: ألا بعدا للقوم الظالمين.
* (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) * * (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) * لما جاوز بنو إسرائيل البحر سألوا موسى عليه السلام أن يأتيهم بكتاب من عند الله فوعده سبحانه أن يعطيه التوراة وقبل موسى ذلك، وضرب له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة أو ذا الحجة وعشر المحرم فالمفاعلة على بابها، وهي من طرف فعل، ومن آخر قبوله مثل - عالجت المريض - وإنكار جواز ذلك لا يسمع مع وروده في كلام العرب وتصريح الأئمة به وارتضائهم له، ويجوز أن يكون * (واعدنا) * من باب الموافاة وليس من الوعد في شيء وإنما هو من قولك موعدك يوم كذا وموضع كذا، ويحتمل أن يكون بمعنى وعدنا وبه قرأ أبو عمرو، أو يقدر الملاقاة، أو يقال بالتفكيك إلى فعلين فيقدر الوحي في أحدهما؛ والمجىء في الآخر ولا محذور في شيء كما حققه الدامغاني، وقول أبي عبيدة: المواعدة لا تكون إلا من البشر غير مسلم، وقول أبي حاتم: أكثر ما تكون من المخلوقين المتكافئين على تقدير تسليمه لا يضرنا، و (أربعين) مفعول به بحذف المضاف بأدنى ملابسة أي إعطاء أربعين أي عند انقضائها، أو في العشر الأخير منها، أو في كلها، أو في أولها على اختلاف الروايات، أو ظرف مستقر وقع صفة لمفعول محذوف - لواعدنا - أي واعدنا موسى أمرا كائنا في أربعين، وقيل: مفعول مطلق أي واعدنا موسى مواعدة أربعين ليلة.
ومن الناس من ذهب إلى أن الأولى أن لا يقدر مفعول لأن المقصود بيان من وعد لا ما وعد - وينصب الأربعين على الإجراء مجرى المفعول به توسعا، وفيه مبالغة بجعل ميقات الوعد موعودا وجعل الأربعين ظرفا لواعدنا على حد جاء زيد يوم الخميس - ليس بشيء كما لا يخفى، و (موسى) اسم أعجمي لا ينصرف للعلمية والعجمة، ويقال: هو مركب من (مو) وهو الماء (وشى) وهو الشجر وغير إلى (سى) بالمهملة وكأن من سماه به أراد ماء البحر والتابوت الذي قذف فيه - وخاض بعضهم في وزنه - فعن سيبويه إن وزنه مفعل وقيل: إنه فعل وهو مشتق من ماس يميس فأبدلت الياء واوا لضم ما قبلها كما قالوا طوبى، وهي من ذوات الياء لأنها من طاب يطيب، ويبعده أن الإجماع على صرفه نكرة ولو كان فعل لم ينصرف لأن ألف التأنيث وحدها تمنع الصرف في المعرفة والنكرة على أن زيادة الميم أولا أكثر من زيادة الألف آخرا، وعبر سبحانه وتعالى عن ذلك الوقت بالليالي دون الأيام لأن افتتاح الميقات كان من الليل، والليالي غرر شهور العرب لأنها وضعت على سير القمر، والهلال إنما يهل بالليل، أو لأن الظلمة أقدم من الضوء بدليل * (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) * (يس: 37) أو إشارة إلى مواصلة الصوم ليلا ونهارا ولو كان التفسير باليوم أمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل فلما نص على الليالي فهم من قوة الكلام أنه واصل أربعين ليلة بأيامها، والقول بأن ذكر الليلة - كان للإشعار بأن وعد موسى عليه السلام كان بقيام الليل - ليس بشيء لأن المروي أن المأمور به كان الصيام لا القيام، وقد يقال من طريق الإشارة: إن ذكر الليلة للرمز إلى أن هذه المواعدة كانت بعد تمام السير إلى الله تعالى ومجاوزة بحر العوائق والعلائق، وهناك يكون السير في الله تعالى الذي لا تدرك حقيقته، ولا تعلم هويته، ولا يرى في بيداء جبروته إلا الدهشة والحيرة، وهذا السير متفاوت باعتبار الأشخاص والأزمان ولي مع الله تعالى وقت يشير إلى ذلك.
* (ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) * الاتخاذ يجيء بمعنى ابتداء صنعة فيتعدى لواحد نحو - اتخذت سيفا - أي صنعته. وبمعنى اتخاذ وصف فيجري مجرى الجعل ويتعدى