كأنه قيل ما لهم بمقابلة هذه الخصال فقيل لهم كيت كيت أو خبر ثان لأولئك وقوله تعالى «عند ربهم» إما متعلق بمحذوف وقع صفة لدرجات مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي كائنة عنده تعالى أو بما يتعلق به الخبر أعنى لهم من الاستقرار وفي إضافة الظرف إلى الرب المضاف إلى ضميرهم مزيد تشريف ولطف لهم وإيذان بأن ما وعد لهم متيقن الثبوت والحصول مأمون الفوات «ومغفرة» لما فرط منهم «ورزق كريم» لا ينقضي أمده ولا ينتهي عدده وهو ما أعد لهم من نعيم الجنة «كما أخرجك ربك من بيتك بالحق» الكاف في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال كحال إخراجك يعني أن حالهم في كراهتهم لما رأيت مع كونه حقا كحالهم في كراهتهم لخروجك للحرب وهو حق أو في محل النصب على أنه صفة لمصدر مقدر في قوله تعالى الأنفال لله أي الأنفال ثبتت لله والرسول مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك في المدينة أو من المدينة إخراجا ملتبسا بالحق «وإن فريقا من المؤمنين لكارهون» أي والحال أن فريقا منهم كارهون للخروج إما لنفرة الطبع عن القتال أو لعدم الاستعداد وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص وعمرو بن هشام فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير وقلة القوم فلما خرجوا بلغ أهل مكة خبر خروجهم فنادى أبو جهل فوق الكعبة بأهل مكة النجاة النجاة على كل صعب وذلول عيركم أموالكم إن أصابها محمد لم تفلحوا بعدها أبدا وقد رأت أخت العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رؤيا فقالت لأخيها أني رأيت كان ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت من بيوت مكة إلا أصابه حجر من تلك الصخرة فحدث بها العباس رضي الله عنه فقال أبو جهل ما يرضى رجالهم أن يتنبئوا حتى تتنبأ نساؤهم فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهم النفير فقيل له إن العير أخذت طريق الساحل ونجت فارجع بالناس إلى مكة فقال لا واللات لا يكون ذلك أبدا حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور ونقيم القينات والمعازف ببدر فيتسامع جميع العرب بمخرجنا وأن محمدا لم يصب العير وأنا قد أعضضناه فمضى بهم إلى بدر وبدر ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما في السنة فنزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال ما تقولون إن القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير أحب إليكم أم النفير فقالوا بل العير أحب إلينا من لقاء العدو فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردد عليهم فقال إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فقام عندما غضب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فأحسنا ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك فامض فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار ثم قال المقداد بن عمرو رضي الله عنه يا رسول الله امض لما أمرك الله فإنا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون
(٥)