الأخير ولا مساغ للمصير إلى ما ذهب إليه مجاهد وعكرمة والسدي من أن الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء بهذه الآية فنسخت بقوله تعالى فأن لله خمسه وللرسول لما أن المراد بالأنفال فيها قالوا هو المعنى الأول حتما كما نطق به قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية على أن الحق أنه لا نسخ حينئذ أيضا حسبما قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بل بين في صدر السورة الكريمة إجمالا أن أمرها مفوض إلى الله تعالى ورسوله ثم بين مصارفها وكيفية قسمتها على التفصيل وادعاء اقتصار هذا الحكم أعنى الاختصاص برسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنفال المشروطة يوم بدر يجعل اللام للعهد مع بقاء استحقاق المنفل في سائر الأنفال المشروطة يأباه مقام بيان الأحكام كما ينبئ عنه إظهار الأنفال في موقع الإضمار على أن الجواب عن سؤال الموعود ببيان كونه له صلى الله عليه وسلم خاصة مما لا يليق بشأنه الكريم أصلا وقد روى عن سعد بن أبي وقاص أنه قال قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأعجبني فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن الله تعالى قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف فقال لي صلى الله عليه وسلم ليس هذا لي ولا لك أطرحه في القبض فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الأنفال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وقد صار لي فاذهب فخذه وهذا كما ترى يقتضي عدم وقوع التنفيل يومئذ وإلا لكان سؤال السيف من سعد بموجب شرطه ووعده صلى الله عليه وسلم لا بطريق الهبة المبتدأة وحمل ذلك من سعد على مراعاة الأدب مع كون سؤاله بموجب الشرط يرده رده صلى الله عليه وسلم قبل النزول وتعليله بقوله ليس هذا لي لاستحالة أن يعد صلى الله عليه وسلم بما لا يقدر على إنجازه وإعطاؤه صلى الله عليه وسلم بعد النزول وترتيبه على قوله وقد صار لي ضرورة أن مناط صيرورته له صلى الله عليه وسلم قوله تعالى الأنفال لله والرسول والفرض أنه المانع من إعطاء المسؤول ومما هو نص في الباب قوله عز وجل «فاتقوا الله» أي إذا كان أمر الغنائم لله تعالى ورسوله فاتقوه تعالى واجتنبوه ما كنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لسخط الله تعالى أو فاتقوه في كل ما تأنون وما تذرون فيدخل فيه ما هم فيه دخولا أوليا ولو كان السؤال طلبا للمشروط لما كان فيه محذور يجب اتقاؤه وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وتعليل الحكم «وأصلحوا ذات بينكم» جعل ما بينهم من الحال لملابستها التامة لبينهم صاحبة له كما جعلت الأمور المضمرة في الصدور ذات الصدور أي أصلحوا ما بينكم من الأحوال بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى وتفضل به عليكم وعن عبادة بن الصامت نزلت فينا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلافنا فنزعه الله تعالى من أيدينا فجعله لرسوله فقسمه بين المسلمين على السواء وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وإصلاح ذات البين وعن عطاء كان الإصلاح بينهم أن دعاهم وقال اقسموا غنائمكم بالعدل فقالوا قد أكلنا وأنفقنا فقال ليرد بعضكم على بعض «وأطيعوا الله ورسوله» بتسليم أمره ونهيه وتوسيط الأمر بإصلاح ذات البين بين الأمر بالتقوى والأمر بالطاعة لإظهار كمال العناية بالإصلاح بحسب المقام وليندرج الأمر به بعينه تحت الأمر بالطاعة «إن كنتم مؤمنين» متعلق بالأوامر الثلاثة والجواب محذوف ثقة بدلالة المذكور عليه أو هو الجواب على الخلاف المشهور وأيا ما كان فالمقصود تحقيق المعلق بناء على تحقق المعلق به وفيه تنشيط للمخاطبين
(٣)