تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٤٨
وأما التصريح بالياء فلحن ظاهر عند الفراء «إنهم لا أيمان لهم» أي على الحقيقة حيث لا يراعونها ولا يعدون نقضها محذورا وإن أجروها على ألسنتهم وإنما علق النفي بها كالنكث فيما سلف لا بالعهد المؤكد بها لأنها العمدة في المواثيق وجعل الجملة تعليلا للأمر بالقتال لا يساعده تعليقه بالنكث والطعن لأن حالهم في أن لا إيمان لهم حقيقة بعد النكث والطعن كحالهم قبل ذلك وحمله على معنى عدم بقاء أيمانهم بعد النكث والطعن مع أنه لا حاجة إلى بيانه خلاف الظاهر ولعل الأولى جعلها تعليلا لمضمون الشرط كأنه قيل وإن نكثوا وطعنوا كما هو المتوقع منهم إذ لا أيمان لهم حقيقة حتى لا ينكثوها أو لاستمرار القتال المأمور به المستفاد من سياق الكلام كأنه قيل فقاتلوهم إلى أن يؤمنوا إنهم لا أيمان لهم حتى يعقد معهم عهد آخر وقرئ بكسر الهمزة على أنه مصدر بمعنى إعطاء الأمان أي لا سبيل إلى أن تعطوهم أمانا بعد ذلك أبدا وأما العكس كما قيل فلا وجه له لإشعاره بأن معاهدتهم معنا على طريقة أن يكون إعطاء الأمان من قبلهم وذلك بين البطلان أو بمعنى الإسلام ففي كونه تعليلا للأمر بالقتال إشكال بل استحالة لأنه إن حمل على انتفاء الإسلام مطلقا فهو بمعزل عن العلية للقتال أو للأمر به كما قبل النكث والطعن وإن حمل على انتفائه فيما سيأتي فلا يلائم جعل الانتهاء غاية للقتال فيما سيجئ فالوجه أن يجعل تعليلا لما ذكر من مضمون الشرط كأنه قيل إن نكثوا وطعنوا وهو الظاهر من حالهم لأنه لا إسلام لهم حتى يرتدعوا عن نقض جنس أيمانهم وعن الطعن في دينكم «لعلهم ينتهون» متعلق بقوله تعالى فقاتلوا أي قاتلوهم إرادة أن ينتهوا أي ليكن غرضكم من القتال انتهاءهم عما هم عليه من الكفر وسائر العظائم التي يرتكبونها لا إيصال الأذية بهم كما هو ديدن المؤذين «ألا تقاتلون» الهمزة الداخلة على انتفاء مقاتلتهم للإنكار والتوبيخ تدل على تحضيضهم على المقاتلة بطريق حملهم على الإقرار بانتفائها كأنه أمر لا يمكن أن يعترف به طائعا لكمال شناعته فيلجئون إلى ذلك ولا يقدرون على الإقرار به فيختارون المقاتلة «قوما نكثوا أيمانهم» التي حلفوها عند المعاهدة على أن لا يعاونوا عليهم فعاونوا بني بكر على خزاعة «وهموا بإخراج الرسول» من مكة حين تشاوروا في أمره بدار الندوة حسبما ذكر في قوله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا فيكون نعيا عليهم جنايتهم القديمة وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهموا بإخراجه من المدينة «وهم بدؤوكم» بالمعاداة والمقاتلة «أول مرة» لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم أولا بالكتاب المبين وتحداهم به فعدلوا عن المحاجة لعجزهم عنها إلى المقاتلة أو بدءوا بقتال خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم لأن إعانة بني بكر عليهم قتال معهم «أتخشونهم» أي أتخشون أن ينالكم منهم مكروه حتى تتركوا قتالهم وبخهم أو لا بترك مقاتلتهم وحضهم عليها ثم وصفهم بما يوجب الرغبة فيها ويحقق أن من كان على تلك الصفات السيئة حقيق بأن لا تترك مصادمته ويوبخ من فرط فيها «فالله أحق أن تخشوه»
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308