الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٥ - الصفحة ٥٨
الأحول قال دخلت على حفصة بنت سيرين وقد ألقت عليها ثيابها فقلت أليس يقول الله والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهن قالت اقرأ ما بعده وان يستعففن خير لهن هو ثياب الجلباب * قوله تعالى (ليس على الأعمى حرج) الآية * أخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قالت الأنصار ما بالمدينة مال أعز من الطعام كانوا يتحرجون ان يأكلوا مع الأعمى يقولون انه لا يبصر موضع الطعام وكانوا يتحرجون الاكل مع الأعرج يقولون الصحيح يسبقه إلى المكان ولا يستطيع ان يزاحم ويتحرجون الاكل مع المريض يقولون لا يستطيع ان يأكل مثل الصحيح وكانوا يتحرجون ان يأكلوا في بيوت أقربائهم فنزلت ليس على الأعمى حرج يعنى في الاكل مع الأعمى * وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقسم قال كانوا يكرهون ان يأكلوا مع الأعمى والأعرج والمريض لانهم لا ينالون كما ينال الصحيح فنزلت ليس على الأعمى حرج الآية * وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وإبراهيم وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد قال كان الرجل يذهب بالأعمى أو الأعرج والمريض إلى بيت أبيه أو بنت أخيه أو بنت أخته أو بنت عمه أو بنت عمته أو بنت خاله أو بنت خالته فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون انما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم فنزلت هذه الآية رخصة لهم * وأخرج البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن النجار عن عائشة قالت كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدفعون مفاتيحهم إلى أمنائهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم ان تأكلوا مما احتجتم إليه فكانوا يقولون انه لا يحل لنا ان نأكل انهم أذنوا لنا من غير طيب أنفسهم وانما نحن أمناء فأنزل الله ولا على أنفسكم ان تأكلوا إلى قوله أو ما ملكتم مفاتحه * وأخرج عبد بن حميد عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله ابن عبد الله وابن المسيب انه كان رجال من أهل العلم يحدثون انما أنزلت هذه الآية في أمناء المسلمين كانوا يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله فيعطون مفاتيحهم أمنائهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم ان تأكلوا مما في بيوتنا فيقول الذين استودعوهم المفاتيح والله ما يحل لنا مما في بيوتهم شئ وان أحلوه لنا حتى يرجعوا إلينا وانها لأمانة ائتمنا عليها فلم يزالوا على ذلك حتى أنزل الله هذه الآية فطابت أنفسهم * وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال المسلمون ان الله قد نهانا ان نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا ان يأكل من عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله ليس على الأعمى حرج إلى قوله أو ما ملكتم مفاتحة وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته والذي رخص الله ان يأكل من ذلك الطعام والتمر وشرب اللبن وكانوا أيضا يتحرجون ان يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا أو اشتاتا * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال كان أهل المدينة قبل ان يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا مريض ولا أعرج لان الأعمى لا يبصر طيب الطعام والمريض لا يستوفى الطعام كما يستوفى الصحيح والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام فنزلت رخصة في مؤاكلتهم * وأخرج الثعلبي عن ابن عباس قال خرج الحارث غازيا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف على أهله خالد بن زيد فحرج ان يأكل من طعامه وكان مجهودا فنزلت * وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في مراسيله وابن جرير والبيهقي عن الزهري انه سئل عن قوله ليس على الأعمى حرج الآية ما بال الأعمى والأعرج والمريض ذكروا هنا فقال أخبرنا عبيد الله بن عبد الله ان المسلمين كانوا إذا غزوا أقاموا وصاتهم وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم يقولون قد أحللنا لكم ان تأكلوا مما في بيوتنا وكانوا يتحرجون من ذلك يقولون لا ندخلها وهم غيب فأنزلت هذه الآية رخصة لهم * وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال هذا الحي من بنى كنانة بن خزيمة يرى أحدهم ان عليه مخزاة ان يأكل وحده في الجاهلية حتى أن كان الرجل يسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشار به فأنزل الله ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا أو أشتاتا * وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وأبى صالح قالا كانت الأنصار
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست