الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٠
يا سامري الا تلقى ما في يديك وهو قابض عليه لا يره أحد 7 طوال ذلك فقال هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر فلا ألقيها الشئ الا ان تدعو الله إذا ألقيتها ان يكون ما أريد قال فألقاها ودعا له هارون فقال أريد ان يكون عجلا فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع نحاس أو حديد أو حلى فصار عجلا جوف ليس فيه روح له خوار فقال ابن عباس والله كان له ما صوت ولكن الريح كانت تدخل في دبره وتخرج من فيه فكان ذلك الصوت من ذلك فتفرق بنو إسرائيل فرقا فقالت فرقة يا سامري ما هذا فإنك أنت أعلم به فقال هذا ربكم ولكن موسى أخطأ الطريق فقالوا لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى فان يك ربنا لم يكن ضيعنا وعجزنا حين رأيناه وان لم يكن ربنا فإننا نتبع قول موسى وقال فرقة هذا من عمل الشيطان وليس ربنا ولا نصدق به ولا نؤمن به وأشرب فرقة في قلوبهم التصديق بما قال السامري في العجل وأعلنوا التكذيب وقال لهم هارون يا قوم انما فتنتم به وان ربكم الرحمن وليس هكذا قالوا فما بال موسى وعدنا ثلاثين ليلة ثم أخلفنا فهذه أربعون ليلة فقال سفهاؤهم أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه فلما كلم الله موسى وقال ما قال له وأخبره بما لقى قومه من بعده فرجع إلى قومه غضبان أسفا فقال لهم ما سمعتم في القرآن وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه من الغضب غير أنه عذر أخاه واستغفر ربه ثم انصرف إلى السامري فقال له ما حملك على ما صنعت فقال قبضت قبضة من أثر الرسول وفطنت وعميت عليكم فقذفتها وكذلك سولت لي نفسي قال اذهب فان لك في الحياة ان تقول لا مساس إلى قوله في اليم نسفا ولو كان إلها لم يخلص إلى ذلك فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة واغتبط الذين كان رأيهم رأى هارون فقالوا يا موسى سل ربك ان يفتح لنا باب توبة نعملها ونكفر عنا ما عملنا فاختار موسى من قومه سبعين رجلا لذلك لا يألو الخير خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في العجل فانطلق بهم ليسأل ربهم التوبة فرجفت الأرض بهم فاستحيا موسى عليه السلام من قومه ووفده حين فعل بهم ذلك فقال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء الآية ومنهم من قد اطلع الله منه على ما أشرب قلبه العجل والايمان به فلذلك رجفت بهم الأرض فقال رحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون إلى قوله والإنجيل فقال رب سألتك التوبة لقومي فقلت ان رحمتك كتبتها لقوم غير قومي فليتك أخرتني حتى أخرج في أمة ذلك الرجل المرحومة قال الله عز وجل فان توبتهم ان يقتل كل رجل منهم كل من لقى من والد أو ولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قبل ذلك الموطن فتاب أولئك الذين كان حفى على موسى وهارون وما اطلع الله عليهم من ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما أمروا به فغفر الله للقاتل والمقتول ثم سار بهم موسى متوجها نحو الأرض المقدسة فاخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب وأمرهم بالذي أمره الله ان يبلغهم من الوظائف فثقلت عليهم وأبوا ان يقروا بها حتى نتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ودنا منهم حتى خافوا ان يقع عليهم فأخذوا الكتاب بايمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الأرض والكتاب الذي أخذوه بأيديهم وهم ينظرون إلى الجبل مخافة ان يقع عليهم ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة فوجدوا فيها مدينة جبارين خلقهم خلق منكر وذكروا من ثمارهم أمرا عجيبا من عظمها فقالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين لا طاقة لنا اليوم بهم ولا ندخلها ما داموا فيها فان يخرجوا منها فانا داخلون قال رجلان من الجبارين آمنا بموسى فخرجا إليه فقالا نحن أعلم بقومنا ان كنتم تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم فإنهم ليس لهم قلوب ولا منعة عندهم فأدخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ويقول أناس انهما من قوم موسى وزعم سعيد انهما من الجبارين آمنا بموسى يقول من الذين يخافون أنعم الله عليهما وانما يعنى بذلك الذين يخافهم بنو إسرائيل فقالوا يا موسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون فأغضبوا موسى فدعا عليهم فسماهم فاسقين ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى فيهم من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذ فدعا عليهم فاستجاب الله له وسماهم كما سماهم موسى فاسقين فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام وأنزل عليهم المن والسلوى وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ وجعل بين ظهرانيهم حجرا مربعا وأمر موسى فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية ثلاث عيون واعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها لا يرتحلون بها من مرحلة الا وجدوا ذلك الحجر منهم بالمكان الذي كان
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»
الفهرست