الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٢٩٩
ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى يعنون ملكهم الذي هم فيه والعيش فأبوا على موسى ان يعطوه شيئا مما طلب وقالوا له أجمع لهم السحرة فإنهم بأرضنا كثير حتى تغلب بسحرهم سحرهما فأرسل فرعون في المدائن حاشرين فحشر له كل ساحر متعالم فلما أتوا فرعون قالوا بم يعمل هذا الساحر قالوا يعمل بالحيات والحبال قالوا فلا والله ما في الأرض قوم يعملون بالحيات والحبال والعصي بالسحر ما نعمل به فما أجرنا ان غلبناه قال لهم أنتم أقاربي وخاصتي وانا صانع بكم كل شئ أحببتهم فتواعدوا ليوم الزينة وان يحشر الناس ضحى قال سعيد فحدثني ابن عباس ان يوم الزينة اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة وهو يوم عاشوراء فلما اجتمعوا في صعيد واحد قال الناس بعضهم لبعض اذهبوا بنا فلنحضر هذا الامر ونتبع السحرة ان كانوا هم الغالبين يعنون بذلك موسى وهارون استهزاء بهما فقالوا يا موسى لقدرتهم بسحرهم اما ان تلقى واما ان نكون نحن الملقين قال ألقوا فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون انا لنحن الغالبون فرأى موسى من سحرهم ما أوجس منه خيفة فأوحى الله إليه ان ألقى عصاك فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيما فاغرة فاها فجعل العصى بدعوة موسى تلتبس بالحبال حتى صارت جردا إلى الثعبان حتى تدخل فيه حتى ما أبقت عصا ولا حبلا الا ابتلعته فلما عاين السحرة ذلك قالوا لو كان هذا سحرا لم تبتلع من سحرنا كل هذا ولكن هذا أمر من الله عز وجل فآمنا بالله وبما جاء به موسى ونتوب إلى الله عز وجل مما كنا فيه فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه فظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وامرأة فرعون بارزة متبذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون فمن رآها من آل فرعون ظن أنها تبذلت شفقة على فرعون وأشياعه وانما كان حزنها وهمها لموسى فلما طال مكث موسى لمواعد فرعون الكاذبة كلما جاء بآية وعد عندها أن يرسل معه بني إسرائيل فإذا كشف ذلك عنه نكث عهده واختلف وعده حتى أمر موسى بقومه فخرج بهم ليلا فلما أصبح فرعون ورأى انهم قد مضوا بعث في المدينة وحولها حاشرين فتبعهم جنود عظيمة كثيرة وأوحى الله إلى البحر إذا ضربك عبدي موسى فانفرق له اثنى عشر فرقا حتى يجوز موسى ومن معه ثم التق بعد على من بقى من قوم فرعون وأشياعه فنسى موسى ان يضرب بعصاه فدفع إلى البحر وله قصيف مخافة ان يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصيا فلما تراءى الجمعان وتقاربا قال أصحاب موسى انا لمدركون فافعل ما أمرك ربه ربك فإنك لم تكذب ولم تكذب قال وعدني ربى إذا انتهيت إلى البحر ان ينفرق لي حتى أجوز ثم ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحر حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى فانفرق البحر كما أمره الله وكما وعد موسى فلما جاز أصحاب موسى كلهم ودخل أصحاب فرعون كلهم التقى البحر عليهم كما أمره الله عز وجل فلما ان جاوز البحر قال أصحاب موسى انا لمدركون انا نخاف أن لا يكون فرعون غرق ولا نأمن هلاكه فدعا ربه فأخرجه له ببدنه من البحر حتى استيقنوا ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ان هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قد رأيتم من العبر ما يكفيكم وسمعتم به فمضى حتى أنزلهم منزلا ثم قال لهم أطيعوا هارون فاني قد استخلفته عليكم وإني ذاهب إلى ربى وأجلهم ثلاثين يوما ان يرجع إليهم فيها فلما أتى ربه وأراد ان يكلمه في ثلاثين يوما فصامهن ليلهن ونهارهن كره ان يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم فتناول موسى من نبات الأرض شيئا فمضغه فقال له ربه حين أتاه لم أفطرت وهو أعلم بالذي كان قال يا رب انى كرهت ان أكلمك الا وفمي طيب الريح قال أوما علمت يا موسى ان ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ارجع حتى تصوم عشرة أيام ثم ائتني ففعل موسى الذي أمره الله به فلما رأى قوم موسى انه لم يأتهم للأجل ساءهم ذلك وقد كان هارون خطيهم وقال لهم انكم خرجتم من مصر وعندكم ودائع لقوم فرعون وعوار ولكم فيهم مثل ذلك وانا أرى ان تحتسبوا ما كان لكم عندهم ولا أحل لكم وديعة استودعتموها أو عارية ولسنا نرى أداء شئ من ذلك إليهم ولار ممسكيه فحفر حفرة وأمر كل قوم عندهم شئ من ذلك من متاع أو حلية بان يدفنوه في الحفرة ثم أوقد عليه النار فأحرقه وقال لا يكون لنا ولا لهم وكان السامري رجلا من قوم يعبدون البقر ليس من بني إسرائيل جار لهم فاحتمل مع بني إسرائيل حين احتملوا فقضى له ان رأى أثر الفرس فقبض منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»
الفهرست