ان في هذا لمالا وانا ان فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه فحملنه بهيئته لم يحركن منه شيئا حتى دفعنه إليها فلما فتحته رأت فيه الغلام فألقى عليها محبة لم تلو منها على أحد من البشر قط وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من ذكر كل شئ الا من ذكر موسى فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم يريدون ان يذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير فقالت للذباحين ان هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل وإني آتي فرعون فاستوهبه منه فان وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم وان أمر بذبحه لم ألمكم فلما أتت به فرعون قالت قرة عين لي ولك لا تقتلوه قال فرعون يكون لك واما لي فلا حاجة لي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يحلف به لو أقر فرعون بان يكون قرة عين له كما قالت امرأته لهداه الله به كما هدى به امرأته ولكن الله عز وجل حرمه ذلك فأرسلت إلى من حولها من كل امرأة لها لبن لتختار له ظئرا فكلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل ثديها حتى أشفقت امرأة فرعون ان يمتنع من اللبن فيموت فأحزنها ذلك فأمرت به فاخرج إلى السوق ومجمع الناس ترجو ان تجد له ظئرا يأخذ منها فلم يفعل وأصبحت أم موسى والها فقالت لأخته قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا أحي أم قد أكلته الدواب ونسيت الذي كان وعد الله فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون والجنب ان يسمو بصر الانسان إلى شئ بعيد وهو إلى جنبه وهو لا يشعر به فقالت من الفرح حين أعياهم الظوائر أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فاخذوها فقالوا وما يدريك ما نصحهم له هل يعرفونه حتى شكوا في ذلك وذلك من الفتون يا ابن جبير فقالت نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في جانب الملك رجاء شفقته فتركوها فانطلقت إلى أمه فأخبرتها الخبر فجاءت فلما وضعته في حجرها نز إلى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباه ريا وانطلق البشرى إلى امرأة فرعون يبشرونها انا قد وجدنا لابنك ظئرا فأرسلت إليها فاتيت بها وبه فلما رأيت ما يصنع قالت لها امكثي عندي ارضعي ابني هذا فاني لم أحب حبه شيئا قط قالت لا أستطيع ان أدع بيتي وولدي فيضيع فان طابت نفسك ان تعطينيه فاذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيرا فعلت والا فاني غير تاركة بيتي وولدي فذكر أم موسى ما كان الله عز وجل وعدها فتعاسرت على امرأة فرعون لذلك وأيقنت ان الله عز وجل منجز وعده فرجعت بابنها من يومها فأنبته الله نباتا حسنا وحفظه لما قد قضى فيه فلم يزل بنو إسرائيل وهم يجتمعون في ناحية القربة يمتنعون به من الظلم والسخرة منذ كان فيهم فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لام موسى أريد ان تريني ابني فوعدتها يوما تزورها فيه به فقالت لخزانها وجواريها وقهارمتها لا يبقى منكم اليوم واحد الا استقبل ابني بهدية وكرامة أرى ذلك فيه وأنا باعثة أمينا يحضر ما صنع كل انسان منكم فلم تزل الهدايا والنحل والكرامة تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل عليها فلما دخل عليها أكرمته ونحلته وفرحت به وأعجبها ونحلت أمه لحسن أثرها عليه ثم قالت لانطلقن به إلى فرعون فلينحلنه وليكرمنه فلما دخلت به عليه وجعلته في حجره فتناول موسى لحية فرعون فمدها إلى الأرض فقالت له الغواة من أعداء الله الا ترى إلى ما وعد الله إبراهيم انه يرثك ويصرعك ويعلوك فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير بعد كل بلاء ابتلى به وأربد به فتونا فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت ما بدا لك في هذا الصبى الذي وهبته لي قال الا ترينه يزعم أنه سيصرعني ويعلوني قالت له اجعل بيني وبينك أمرا تعرف فيه الحق ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه فان بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت أنه يعقل وان هو تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين فاعلم أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل فلما قرب إليه الجمرتين واللؤلؤتين ترك اللؤلؤتين وأخذ الجمرتين فانتزعهما منه مخافة ان يحرقا بدنه فقال للمرأة لا يذبح وصرفه الله عنه بعد أن كان هم به وكان الله بالغ أمره فيه فلما بلغ أشده وكان من الرجال لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا بسحرة حتى امتنعوا كل الامتناع فبينما هو يمشى في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فغضب موسى واشتد غضبه لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم لا يعلم الا ان ذلك من الرضاع من أم موسى الا ان يكون الله تعالى اطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع غيره عليه فوكز موسى الفرعوني فقتله وليس يراهما أحد الا الله وموسى
(٢٩٧)