الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٢٩٨
والإسرائيلي فقال موسى حين قتل الرجل هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين ثم قال ربى انى ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له وأصبح في المدينة خائفا يترقب الاخبار فأتى فرعون فقيل له ان بني إسرائيل قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم فقال ائتوني به ومن شهد عليه فان الملك وان كان صفوه مع قومه لا يستقيم له ان يقيد بغير بينة ولا ثبت فاطلبوا علم ذلك آخذ لكم بحقكم فبينما هم يطوفون فلا يجدون بينه ولا ثبتا إذا موسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا آخر فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى قد ندم على ما كان من وكزه الذي رأى فغضب من الإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم وقال إنك لغوي مبين فنظر الإسرائيلي إلى موسى حين قال له ما قال فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس فخاف بعد ما قال له انك لغوي مبين ان يكون إياه أراد وانما أراد الفرعوني فقال يا موسى أتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس وانما قال ذلك مخافة ان يكون إياه أراد موسى ليقتله فيتداركا فانطلق الفرعوني إلى قومه فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي حين يقول أتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى فاخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم يطلبون موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم وجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة فاختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره الخبر وذلك من الفتون يا ابن جبير فخرج موسى متوجها نحو مدين لم يلق بلاء مثل ذلك وليس له بالطريق علم الا حسن ظنه بربه فإنه قال عسى ربى ان يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان يعنى فلم تسقيا غنمهما قال ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس قالتا ليست لنا قوة نزاحم القوم وانما ننتظر فضول حياضهم فسقى لهما فجعل يغرف في الدلو ماء كثيرا حتى كانتا أول الرعاة فراغا فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما وانصرف موسى إلى شجرة فاستظل بها وقال رب انى لما أنزلت إلى من خير فقير فاستنكر أبو الجاريتين سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا وقال إن لكما اليوم لشأنا فحدثناه بما صنع موسى فامر إحداهما ان تدعوه له فاتته فدعته فلما كلمه قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان ولسنا في مملكته قالت ابنته يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوى الأمين فحملته الغيرة ان قال وما يدريك ما قوته وما أمانته قالت أما قوته فما رأيت منه حين سقى لنا لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه حين سقى لنا وأمانته فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له فلما علم انى امرأة صوب رأسه ولم يرفعه ولم ينظر إلى حين أقبلت إليه حتى بلغته رسالتك فقال لي امش خلفي وانعتي لي الطريق فلم يقل هذا الا وهو أمين فسرى عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت فقال هل لك ان أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فان أتممت عشرا فمن عندك وما أريد ان أشق عليك ففعل وكانت على موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عدة منه فقضى الله عدته فأتمها عشرا قال سعيد فسألني رجل من أهل النصرانية من علمائهم هل تدرى أي الأجلين قضى موسى قلت لا وانا يومئذ لا أعلم فلقيت ابن عباس فذكرت له الذي قال النصراني فقال أما كنت تعلم أن ثمانيا واجبة لم يكن موسى لينتقص منها وتعلم أن الله تعالى كان قاضيا عن موسى عدته التي وعد فإنه قضى عشرا فأخبرت النصراني فقال الذي أخبرك بهذا هو أعلم منك قلت أجل وأولى فلما سار موسى باهله ورأى من أمر النار ما قص الله عليك في القرآن وأمر العصا ويده فشكا لي ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام فسأل ربه ان يعينه بأخيه هارون ليكون له ردأ ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به فاتاه الله سؤله فحل عقدة من لسانه وأوحى إلى هارون وأمره ان يلقى موسى فاندفع موسى بالعصا ولقى هارون فانطلقا جميعا إلى فرعون فأقاما ببابه حينا لا يؤذن لهما ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا انا رسولا ربك فقال ومن ربكما يا موسى فأخبراه بالذي قص الله في القرآن قال فما تريدان وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت قال أريد ان تؤمن بالله وترسل معي بني إسرائيل فأبى عليه ذلك وقال ائت بآية ان كنت من الصادقين فألقى عصاه فتحولت حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون فلما رأى فرعون انها قاصدة إليه خافها فاقتحم عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل وأخرج يده من جيبه بيضاء من غير سوء يعنى برص أعادها إلى كمه فصارت إلى لونها الأول فاستشار الملا فيما رأى فقالوا له هذان
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»
الفهرست