الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٢٦٥
عباس قال إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه وما صرفهم عنه الا قيل ربك فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا قال خرجت منهم مكانا شرقيا فصلوا قبل مطلع الشمس * وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير اذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت انى أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا قال انما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول أنى يكون لي غلام وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن اخرج نحو المشرق حين لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشى إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر الا جذع نخلة فقالت أستتر بهذا الجذع من الناس وكان تحت الجذع نهر يجرى فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شئ يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره فبينا هو يطرف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها أو بابنها وبالنخلة فقال ههنا حدث الامر فمال إليهم فقال أي شئ هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا نبي ولد بغير ذكر قال أما والله لأضلن به أكثر العالمين أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا هو ابن الله قال وناداها ملك من تحتها قد جعل ربك تحتك سريا قال إبليس ما حملت أنثى الا بعلمي ولا وضعته الا على كفى ليس هنا؟ الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته * وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدى عن أبي مالك عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود رضي الله عنهما قالا خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها فلما طهرت إذا هي برجل معها فتمثل لها بشرا ففزعت وقالت انى أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا فخرجت وعليها جلبابها فاخذ بكمها فنفخ في جيب درعها وكان مشقوقا من قدامها فدخلت النفخة صدرها فحملت فاتتها أختها امرأة زكريا ليلة تزورها فلما فتحت لها الباب التزمتها فقالت امرأة زكريا يا مريم أشعرت أنى حبلى قالت مريم أشعرت أيضا أنى حبلى فقالت امرأة زكريا فاني وجدت ما في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك قوله مصدقا بكلمة من الله فولدت امرأة زكريا يحيى ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا الآية فناداها جبريل من تحتها أن لا تحزني فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل أن مريم ولدت فلما أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى فتكلم فقال انى عبد الله آتاني الكتاب الآيات فلما ولد لم يبق في الأرض صنم الا خر لوجهه * وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله واذكر في الكتاب مريم يقول قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب إذ انتبذت يعنى خرجت من أهلها مكانا شرقيا قال كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق فاتخذت من دونهم حجابا وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها حجابا يعنى جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين المقدس فأرسلنا إليها روحنا يعنى جبريل فتمثل لها بشرا في صورة الآدميين سويا يعنى معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها قالت انى أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزله فمن ثم قالت انى أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا يعنى ان كنت تخاف الله قال جبريل وتبسم انما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا يعنى لله مطيعا من غير بشر قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر يعنى زوجا ولم أك بغيا أي مومسة قال جبريل كذلك يعنى هكذا قال ربك هو على هين يعنى خلقه من غير بشر ولنجعله آية للناس يعنى عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لمن صدق بأنه رسول الله وكان أمرا مقضيا يعنى كائنا أن يكون من غير بشر فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»
الفهرست