الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٣ - الصفحة ٢٤٠
فخرجوا على الطرق وعلى الأجاجير واشتد الخدم والصبيان في الطرق الله أكبر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد وتنازع القوم أيهم ينزل عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الليلة على بنى النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك فلما أصبح غدا حيث أمر * وأخرج البخاري عن سراقة بن مالك رضي الله عنه قال خرجت أطلب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي فقمت فركبت حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر رضي الله عنه يكثر التلفت ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فحررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذ الأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان فناديتهما بالأمان فوقفا لي ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهما انه سيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل لحق بغار ثور قال وتبعه أبو بكر رضي الله عنه فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسه خلفه خاف ان يكون الطلب فلما رأى ذلك أبو بكر رضي الله عنه تنحنح فلما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفه فقام له حتى تبعه فأتيا الغار فأصبحت قريش في طلبه فبعثوا إلى رجل من قافة بنى مدلج فتبع الأثر حتى انتهى إلى الغار وعلى بابه شجرة فبال في أصلها القائف ثم قال ما جاز صاحبكم الذي تطلبون هذا المكان قال فعند ذلك حزن أبو بكر رضي الله عنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن ان الله معنا قال فمكث هو وأبو بكر رضي الله عنه في الغار ثلاثة أيام يختلف إليهم بالطعام عامر ابن فهيرة وعلى يجهزهم فاشتروا ثلاثة أباعر من إبل البحرين واستأجر لهم دليلا فلما كان بعض الليل من الليلة الثالثة أتاهم على رضي الله عنه بالإبل والدليل فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته وركب أبو بكر أخرى فتوجهوا نحو المدينة وقد بعثت قريش في طلبه * وأخرج ابن سعد عن ابن عباس وعلى وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم وعائشة بنت قدامة وسراقة بن جعشم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والقوم جلوس على بابه فاخذ حفنة من البطحاء فجعل يدرها على رؤسهم ويتلو يس والقرآن الحكيم الآيات ومضى فقال لهم قائل ما تنتظرون قالوا محمدا قال قد والله مر بكم قالوا والله ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رؤسهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه إلى غار ثور فدخلاه وضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض وطلبته قريش أشد الطلب حتى انتهت إلى باب الغار فقال بعضهم ان عليه لعنكبوتا قبل ميلاد محمد * وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عائشة بنت قدامة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد خرجت من الخوخة تنكرا فكان أول من لقيني أبو جهل فعمى الله بصره عنى وعن أبي بكر حتى مضينا * وأخرج أبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ان أبا بكر رضي الله عنه رأى رجلا مواجه الغار فقال يا رسول الله انه لرائينا قال كلا ان الملائكة تستره الآن بأجنحتها فلم ينشب الرجل ان قعد يبول مستقبلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا * وأخرج أبو نعيم عن محمد بن إبراهيم التيمي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم حين ادخل الغار ضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض فلما انتهوا إلى فم الغار قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال أمية بن خلف وما أربكم إلى الغار ان عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل العنكبوت وقال إنها جند من جنود الله * وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عطاء بن أبي ميسرة رضي الله عنه قال نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود عليه السلام حين كان طالوت يطلبه ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم في الغار * وأخرج ابن سعد وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه التفت أبو بكر رضي الله عنه فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال يا نبي الله هذا فارس قد لحقنا فقال اللهم أصرعه فصرع عن فرسه فقال يا نبي الله مرني بما شئت قال تقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا فكان أول النهار جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى آخر النهار مسلحة له وفى ذلك يقول سراقة مخاطبا لأبي جهل أبا حكم لو كنت والله شاهدا * لأمر جوادي ان تسيخ قوائمه
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست