الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٣ - الصفحة ٢٤٥
آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فنادى بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوه بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بنى عمرو بن عوف بقباء وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يذكر الناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا وطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبه أبا بكر حتى أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم الشمس فاقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وابتنى المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فسار ومشى الناس حتى بركت به عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين أخوين في حجر أبى امامة أسعد بن زرارة من بنى النجار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته هذا المنزل إن شاء الله ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد يتخذه مسجدا فقالا لا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ان يقبله منهما حتى ابتاعه منهما وبناه مسجدا وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنائه وهو يقول هذا الجمال لا جمال خيبر * هذا أبر ربنا وأطهر ان الاجر أجر الآخرة * فارحم الأنصار والمهاجرة ويتمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي قال ابن شهاب ولم يبلغني في الأحاديث ان النبي صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت من الشعر تاما غير هؤلاء الأبيات ولكن كان يرجزهم لبناء المسجد فلما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش حالت الحرب بين مهاجري أرض الحبشة وبين القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقوه بالمدينة زمن الخندق فكانت أسماء بنت عميس تحدث ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعيرهم بالمكث في أرض الحبشة فذكرت ذلك أسماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لستم كذلك وكانت أول آية أنزلت في القتال أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا حتى بلغ لقوى عزيز * وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري عن أنس رضي الله عنه قال أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو يردف أبا بكر رضي الله عنه وهو شيخ يعرف والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فكانوا يقولون يا أبا بكر من هذا الغلام بين يديك فيقول هاد يهديني السبيل قال فلما دنونا من المدينة نزلنا الحرة وبعث إلى الأنصار فجاؤوا قال فشهدته يوم دخل المدينة فما رأيت يوما كان أحسن منه وما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم * وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن كثير بن فرقدان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج مهاجرا إلى المدينة ومعه أبو بكر رضي الله عنه أتى براحلة أبى بكر فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ويردفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنت اركب وأردفك أنا فان الرجل أحق بصدر دابته فلما خرجا لقيا في الطريق سراقة بن جعشم وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يكذب فسأله من الرجل قال باغ قال فما الذي وراءك قال هاد قال أحسست محمدا قال هو ورائي * قوله تعالى (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) * أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله فأنزل الله سكينته عليه قال على أبى بكر رضي الله عنه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه * وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر غار حراء فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم لو أن أحدهم يبصر موضع قدمه لأبصرني وإياك فقال ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر ان الله أنزل سكينته عليك وأيدني بجنود لم تروها * وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت رضي الله عنه فأنزل الله سكينته عليه قال على أبى بكر رضي الله عنه فاما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت عليه السكينة * قوله تعالى (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى) * أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله وجعل كلمة الذين كفروا السفلى قال هي الشرك وكلمة
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»
الفهرست