الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٣٨
من تراب ثم قال له كن فيكون فلما أصبحوا عادوا فقرأ عليهم الآيات * وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن الأزرق ابن قيس قال جاء أسقف نجران والعاقب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الاسلام فقالا قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتما منع الاسلام منكما ثلاث قولكما اتخذ الله ولدا وسجودكما للصليب وأكلكما لحم الخنزير قالا فمن أبو عيسى فلم يدر ما يقول فأنزل ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم إلى قوله بالمفسدين فلما نزلت هذه الآيات دعا هما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة فقالا انه ان كان نبيا فلا ينبغي لنا ان نلاعنه فأبيا فقالا ما تعرض سوى هذا فقال الاسلام أو الجزية أو الحرب فأقروا بالجزية * وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة الحق من ربك فلا تكون من الممترين يعنى فلا تكن في شك من عيسى انه كمثل آدم عبد الله ورسوله وكلمته * وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا حدثنا عن عيسى بن مريم قال رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم قالوا ينبغي لعيسى أن يكون فوق هذا فأنزل الله ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية قالوا ما ينبغي لعيسى أن يكون مثل آدم فأنزل الله فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم الآية * وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليت بيني وبين أهل نجران حجابا فلا أراهم ولا يروني من شدة ما كانوا يمارون النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان بسم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران ان أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فان أبيتم فالجزية وان أبيتم فقد آذنتكم بالحرب والسلام فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذعر ذعرا شديدا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه فقال له الأسقف ما رأيك فقال شرحبيل قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل ليس لي في النبوة رأى لو كان رأى من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له ما تقول في عيسى بن مريم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندي فيه شئ يومى هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغد فأنزل الله هذه الآية ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشى خلف ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه انى أرى أمرا مقبلا ان كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلا عناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر الا هلك فقالا له ما رأيك فقال رأى أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا له أنت وذاك فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى قد رأيت خيرا من ملاعنتك قال وما هو قال حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية * وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو نعيم في الدلائل عن حذيفة ان العاقب والسيد أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه لا تلاعنه فوالله لئن كان نبيا فلا عننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا فقالوا له نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا فقال قم يا أبا عبيدة فلما قفا قال هذا أمين هذه الأمة * وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والسيد فدعا هما إلى الاسلام فقالا أسلمنا يا محمد قال كذبتما ان شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الاسلام قالا فهات قال حب الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير قال جابر فدعا هما إلى الملاعنة فوعداه إلى الغد فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة