الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٣٠٥
مفارقكم قالوا انك لا تقدر على أن تكون معنا نحن نصوم النهار ونقوم الليل ونأكل الشجر وما أصبنا وأنت لا تستطيع ذلك قال قلت لا أفارقكم قالوا أنت أعلم قد أعلمناك حالنا فإذا أبيت فاطلب أحدا يكون معك واحمل معك شيئا تأكلها فإنك لا تستطيع ما تستطيع نحن قال ففعلت لقيت أخي فعرضت عليه فأبى فأتيتهم فتحملوا فكانوا يمشون وأمشي معهم فرزقنا الله السلامة حتى أتينا الموصل فأتينا بيعة بالموصل فلما دخلوا حفوا بهم وقالوا أين كنتم قالوا كنا في بلاد لا يذكرون الله بها عباد نيران فطردونا فقدمنا عليكم فلما كان بعد قالوا يا سلمان ان ههنا قوما في هذه الجبال هم أهل دين وانا نريد لقاءهم فكن أنت ههنا مع هؤلاء فإنهم أهل دين وستري منهم ما تحب قلت ما أنا بمفارقكم قال وأوصوا بي أهل البيعة فقال أهل البيعة أقم معنا فإنه لا يعجزك شئ يسعنا قلت ما أنا بمفارقكم فخرجوا وانا معهم فأصبحنا بين جبال فإذا صخرة وماء كثير في جرار وخبز كثير فقعدنا عند الصخرة فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال يخرج رجل رجل من مكانه كان الأرواح انتزعت منهم حتى كثروا فرحبوا بهم وحفوا وقالوا أين كنتم لم نركم قالوا كنا في بلاد لا يذكرون اسم الله فيها عبدة النيران وكنا نعبد الله فيها فطردونا فقالوا ما هذا الغلام قال فطفقوا يثنون على وقالوا صحبنا من تلك البلاد فلم نر منه الا خيرا قال فوالله انهم لكذا إذ طلع عليهم رجل من كهف رجل طوال فجاء حتى سلم وجلس فحفوا به وعظموه أصحابي الذي كنت معهم وأحدقوا به فقال لهم أين كنتم فأخبروه فقال وما هذا الغلام معكم فأثنوا على خيرا وأخبروه باتباعي إياهم ولم أر مثل اعظامهم إياه فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر من أرسل الله من رسله وأنبيائه وما لقوا وما صنع بهم حتى ذكر مولد عيسى بن مريم وانه ولد بغير ذكر فبعثه الله رسولا وأجرى على يديه احياء الموتى وابراء الأعمى والأبرص وانه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأنزل عليه الإنجيل وعلمه التوراة وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل فكفر به قوم وآمن به قوم وذكر بعض ما لقي عيسى بن مريم وانه كان عبدا أنعم الله عليه فشكر ذلك له ورضى عنه حتى قبضه الله وهو يعظهم ويقول اتقوا الله والزموا ما جاء عيسى به ولا تخالفوا فيخالف بكم ثم قال من أراد أن يأخذ من هذا شيئا فليأخذ فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام والشئ وقام إليه أصحابي الذين جئت معهم فسلموا عليه وعظموه فقال لهم الزموا هذا الدين وإياكم ان تفرقوا واستوصوا بهذا الغلام خيرا وقال لي يا لغلام هذا دين الله الذي ليس له دين فوقه وما سواه هو الكفر قال قلت ما أفارقك قال إنك لن تستطيع ان تكون معي انى لا أخرج من كهفي هذا الاكل يوم أحد لا تقدر على الكينونة معي قال وأقبل على أصحابه فقالوا يا غلام انك لا تستطيع أن تكون معه قلت ما أنا بمفارقك قال يا غلام فإني أعلمك الآن انى أدخل هذا الكهف ولا أخرج منه الا الحد الآخرة وأنت أعلم قلت ما أنا بمفارقك قال له أصحابه يا فلان هذا غلام ونخاف عليه قال قال لي أنت أعلم قلت انى لا أفارقك فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي فقال خذ من هذا الطعام ما ترى انه يكفيك إلى الاحد الآخر وخذ من هذا الماء ما تكتفي به ففعلت وتفرقوا وذهب كل انسان إلى مكانه الذي يكون فيه وتبعته حتى دخل الكهف في الجبل فقال ضع ما معك وكل واشرب وقام يصلى فقمت معه أصلى قال وانفتل إلى فقال إنك لا تستطيع هذا ولكن صل ونم وكل شراب ففعلت فما رأيته نائما ولا طاعما الا راكعا وساجدا إلى الاحد الآخر فلما أصحنا قال خذ جرتك هذه وانطلق فخرجت معه أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال واجتمعوا إلى الصخرة ينتظرون خروجه فقعدوا وجاد في حديثه نحو المرة الأولى فقال الزموا هذا الدين ولا تفرقوا واتقوا الله واعلموا أن عيسى بن مريم كان عبد الله أنعم الله عليه ثم ذكروني فقالوا يا فلان كيف وجدت هذه الغلام فأثنى على وقال خيرا فحمدوا الله فإذا خبز كثير وماء فأخذوا وجعل الرجل يأخذ بقدر ما يكتفى به ففعلت وتفرقوا في تلك الجبال ورجع إلى كهفه ورجعت معه فلبث ما شاء الله يخرج في كل يوم أحد ويخرجون معه وبوصيهم بما كان يوصيهم به فخرج في أحد فلما اجتمعوا حمد الله ووعظهم وقال مثل ما كان يقول لهم ثم قال لهم آخر ذلك يا هؤلاء انى قد كبرت سنى ورق عظمي واقترب أجلى وانه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا لا بد لي من اتيانه فاستوصوا بهذا الغلام خيرا وإني رأيته لا باس به قال فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم وقالوا يا أبا فلان أنت
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة