الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٣٠٦
كبير وأنت وحدك ولا نأمن أن يصيبك الشئ ولسنا أحوج ما كنا إليك قال لا تراجعوني لا بدلي من اتيانه ولكن استوصوا بهذا الغلام خيرا وافعلوا وافعلوا قال قلت ما أنا بمفارقك قال يا سلمان قد رأيت حالي وما كنت عليه وليس هذا كذلك انما أمشى أصوم النهار وأقوم الليل ولا أستطيع أن أحمل معي زاد ولا غيره ولا تقدر على هذا قال قلت ما أنا بمفارقك قال أنت أعلم قالوا يا أبا فلان انا نخاف عليك وعلى هذا الغلام قال هو أعلم قد أعلمته الحالة وقد رأى ما كان قبل هذا قلت لا أفارقك فبكوا وودعوه وقال لهم اتقوا الله وكونوا على ما وصيتكم به فان أعش فلعلي أرجع إليكم وان أمت فان الله حي لا يموت فسلم عليهم وخرج وخرجت معه وقال لي احمل معك من هذا الخبز شيئا تأكله فخرج وخرجت معه يمشى واتبعه يذكر الله ولا يلتفت ولا يقف على شئ حتى إذا أمسى قال يا سلمان صل أنت ونم وكل واشرب ثم قام هو يصلى إلى أن انتهى إلى بيت المقدس وكان لا يرفع طرفه إلى السماء حتى انتهينا إلى بيت المقدس وإذا على الباب مقعد قال يا عبد الله قد ترى حالي فتصدق على بشئ فلم يلتفت إليه ودخل المسجد ودخلت معه فجعل يتتبع أمكنة من المسجد يصلى فيها ثم قال يا سلمان انى لم أنم منذ كذا وكذا ولم أجد طعم نوم فان أنت جعلت لي أن توقظني إذا بلغ الظل ما كان كذا وكذا نمت فإني أحب أن أنام في هذا المسجد والألم أنم قال قلت فإني أفعل قال فانظر إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني إذا غلبتني عيني فنام فقلت في نفسي هذا لم ينم منذ كذا وكذا وقد رأيت بعض ذلك لأدعنه ينام حتى يشتفي من النوم وكان فيما يمشى وأنا معه يقبل على فيعظني ويخبرني ان لي ربا وان بين يديه جنة ونارا وحسابا ويعلمني بذلك ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الاحد حتى قال فيما يقول لي يا سلمان الله تعالى سوف يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهامة وكان رجلا أعجميا لا يحسن أن يقول تهامة ولا محمد علامته انه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب فاما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه فان أدركته أنت فصدقه واتبعه قلت وان أمرني بترك دينك وما أنت عليه قال وان أمرك فان الحق فيما يجئ به ورضا الرحمن فيما قال فلم يمض الا يسير حتى استيقظ فزعا يذكر الله تعالى فقال يا سلمان مضى الفئ من هذا المكان ولم أذكر الله أين ما جعلت لي على نفسك قال قلت أخبرتني انك لم تنم منذ كذا وكذا وقد رأيت بعض ذلك فأحببت أن تشتفي من النوم فحمد الله فقام وخرج فتبعته فقال المقعد يا عبد الله دخلت فسألتك فلم تعطني وخرجت فسألتك فلم تعطني فقام ينظر هل يرى أحدا فلم يره فدنا منه فقال ناولني يدك فناوله فقال قم بسم الله فقام كأنه نشط من عقال صحيحا لا عيب فيه فخلى عن يديه فانطلق ذاهبا فكان لا يلوي على أحد ولا يقوم عليه فقال لي المقعد يا غلام احمل على ثيابي حتى انطلق وأبشر أهلي فحملت عليه ثيابه وانطلق لا يلوي على فخرجت في اثره أطلبه وكلما سالت عنه قالوا امامك حتى لقيني الركب من كلب فسألتهم فلما سمعوا لغتي أناخ رجل منهم بعيره فحملني فجعلني خلفه حتى بلغوا بي بلادهم قال فباعوني فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت به فأخذت شيئا من تمر حائطي فجعلته على شئ ثم أتيته فوجدت عنده أناسا وإذا أبو بكر أقرب القوم منه فوضعته بين يديه فقال ما هذا قلت صدقة فقال للقوم كلوا ولم يأكل هو ثم لبثت ما شاء الله ثم أخذت مثل ذلك فجعلته على شئ ثم أتيته به فوجدت عنده أناسا وإذا أبو بكر أقرب القوم منه فوضعته بين يديه فقال ما هذا قلت هدية قال بسم الله فاكل وأكل القوم قال قلت في نفسي هذه من آياته كان صاحبي رجلا أعجميا لم يحسن ان يقول تهامة قال ثهمة وقال أحمد فدرت خلفه ففطن بي فأرخى ثوبه فإذا الخاتم في ناحية كتفه الأيسر فتبينته ثم درت حتى جلست بين يديه فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله قال من أنت قلت مملوك فحدثته بحديثي وحديث الرجل الذي كنت معه وما أمرني به قال لمن أنت قلت لامرأة من الأنصاري جعلتني في حائط لها قال يا أبا بكر قال لبيك قال اشتره قال فاشتراني أبو بكر فاعتقني فلبثت ما شاء الله أن ألبث ثم أتيته فسلمت عليه وقعدت بين يديه فقلت يا رسول الله ما تقول في دين النصارى قال لا خير فيهم ولا في دينهم فدخلني أمر عظيم فقلت في نفسي هذا الذي كنت معه ورأيت منه ما رأيت أخذ بيد المقعد فأقامه الله على يديه لا خير في هؤلاء ولا في دينهم فانصرفت وفى نفسي ما شاء الله فأنزل الله بعد على النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون إلى آخر الآية فقال النبي صلى الله
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة