الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٢١٨
رسول الله صلى الله عليه وسلم اختان درعا من حديد فلما خشى ان توجد عنده ألقاها في بيت جار له من اليهود وقال تزعمون انى اختنت الدرع فوالله لقد أنبئت انها عند اليهودي فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجاء أصحابه يعذرونه فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عذره حين لم يجد عليه بينه ووجدوا الدرع في بيت اليهودي وأبى الله الا العدل فأنزل الله على نبيه انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق إلى قوله أمن يكون عليهم وكيلا فعرض الله بالتوبة لو قبلها إلى قوله ثم يرم به بريئا اليهودي ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ولولا فضل الله عليك ورحمته إلى قوله وكان فضل الله عليك عظيما فأبرئ اليهودي وأخبر بصاحب الدرع قال قد افتضحت الآن في المسلمين وعلموا انى صاحب الدرع مالي إقامة ببلد فتراغم فلحق بالمشركين فأنزل الله ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى إلى قوله ضلالا بعيدا * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في قوله انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله قال بما أوحى الله إليك نزلت في طعمة بن أبيرق استودعه رجل من اليهود درعا فانطلق بها إلى داره فحفر لها اليهودي ثم دفنها فخالف إليها طعمة فاحتفر عنها فاخذها فلما جاء اليهودي يطلب درعه كافره عنها فانطلق إلى أناس من اليهود من عشيرته فقال انطلقوا معي فإني أعرف موضع الدرع فلما علم به طعمة أخذ الدرع فألقاها في بيت أبى مليك الأنصاري فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها وقع به طعمة وأناس من قومه فسبوه قال أتخونوني فانطلقوا يطلبونها في داره فأشرفوا على دار أبى مليك فإذا هم بالدرع وقال طعمة اخذها أبو مليك وجادلت الأنصار دون طعمة وقال لهم انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له ينضح عنى ويكذب حجة اليهودي فإني ان أكذب كذب على أهل المدينة اليهودي فاتاه ناس من الأنصار فقالوا يا رسول الله جادل على طعمة وأكذب اليهودي فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يفعل فأنزل الله عليه ولا تكن للخائنين خصيما إلى قوله أثيما ثم ذكر الأنصار ومجادلتهم عنه فقال يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله إلى قوله وكيلا ثم دعا إلى التوبة فقال ومن يعمل سوأ أو يظلم نفسه إلى قوله رحيما ثم ذكر قوله حين قال أخذها أبو مليك فقال ومن يكسب اثما إلى قوله مبينا ثم ذكر الأنصار وإتيانها إياه ان ينضح عن صاحبهم ويجادل عنه فقال لهمت طائفة منهم ان يضلوك ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون ان يكذبوا عن طعمة فقال لا خير في كثير من نجواهم فلما فضح الله طعمة بالقرآن بالمدينة هرب حتى أتى مكة فكفر بعد اسلامه ونزل على الحجاج بن علاط السلمي فنقب بيت الحجاج فأراد ان يسرقه فسمع الحجاج خشخشته في بيته وقعقعة جلود كانت عنده فنظر فإذا هو بطعمة فقال ضيفي وابن عمى فأردت ان تسرقني فأخرجه فمات بحرة بنى سليم كافرا وأنزل الله فيه ومن يشاقق الرسول إلى وساءت مصيرا * وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال استودع رجل من الأنصار طعمة بن أبيرق مشربة له فيها درع فغاب فلما قدم الأنصاري فتح مشربته فلم يجد الدرع فسأل عنها طعمة بن أبيرق فرمى بها رجلا من اليهود يقال له زيد بن السمين فتعلق صاحب الدرع بطعمة في درعه فلما رأى ذلك قومه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكلموه ليدرأ عنه فهم بذلك فأنزل الله انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس إلى قوله ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم يعنى طعمة بن أبيرق وقومه ها أنتم هؤلاء جادلتم إلى قوله يكون عليهم وكيلا محمد صلى الله عليه وسلم وقوم طعمة ثم يرم به بريئا يعنى زيد بن السمين فقد احتمل بهتانا طعمة بن أبيرق ولولا فضل الله عليك ورحمته لمحمد صلى الله عليه وسلم لهمت طائفة قوم طعمة لا خير في كثير الآية للناس عامة ومن يشاقق الرسول قال لما أنزل القرآن في طعمة بن أبيرق لحق بقريش ورجع في دينه ثم عدا على مشربة للحجاج بن علاط البهري فنقبها فسقط عليها حجر فلحج فلما أصبح أخرجوه من مكة فخرج فلقى ركبا من قضاعة فعرض لهم فقال ابن سبيل منقطع به فحملوه حتى إذا جن عليه الليل عدا عليهم فسرقهم ثم انطلق فرجعوا في طلبه فأدركوه فقذفوه بالحجارة حتى مات فهذه الآيات كلها فيه نزلت إلى قوله ان الله لا يغفر ان يشرك به * وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار استودع درعا فجحدها صاحبها فلق به رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فغضب له قومه وأتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا خونوا صاحبنا وهو أمين مسلم فاعذره يا نبي الله وازجر عنه فقام النبي صلى الله عليه وسلم فعذره وكذب عنه وهو يرى أنه برئ وانه مكذوب عليه فأنزل الله بيان ذلك فقال
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة