الآخرة. والحزن لا يصل إلى القلب إلا مع تيقظه; وتيقظه حياته، وسرور الدنيا لغير الآخرة لا يصل إلى القلب إلا مع غفلة; وغفلة القلب موته، وعلامة ثبات اليقين في القلب استدامة الحزن فيه. وقال - رحمه الله -: اعلم أني لم أجد شيئا أبلغ في الزهد في الدنيا من ثبات حزن الآخرة في القلب، وعلامة ثبات حزن الآخرة في القلب أنس العبد بالوحدة، انتهى.
وقولهم له: * (ولا تنس نصيبك من الدنيا) *.
قال ابن عباس والجمهور: معناه: لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك; إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها; فينبغي / أن لا يهمله. وحكى الثعلبي أنه قيل: أرادوا بنصيبه الكفن.
قال * ع *: وهذا كله وعظ متصل; ونحو هذا قول الشاعر: [الطويل] - نصيبك مما تجمع الدهر كله * رداءان تلوى فيهما وحنوط - وقال ابن العربي في " أحكامه ": وفي معنى النصيب ثلاثة أقوال: الأول: لا تنس حظك من الدنيا، أي: لا تغفل أن تعمل في الدنيا للآخرة، الثاني: أمسك ما يبلغك; فذلك حظ الدنيا، وأنفق الفضل فذلك حظ الآخرة، الثالث: لا تغفل عن شكر ما أنعم الله به عليك، انتهى. وقولهم: * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * أمر بصلة المساكين وذوي الحاجات.
* ص *: * (كما أحسن) *: - الكاف للتشبيه أو للتعليل -، انتهى، وقول قارون * (إنما أوتيته على علم عندي) * قال الجمهور: ادعى أن عنده علما استوجب به أن يكون صاحب ذلك المال، ثم اختلفوا في ذلك العلم، فقال ابن المسيب: أراد علم الكيمياء.
وقال أبو سليمان الداراني: أراد العلم بالتجارة ووجوه تثمير المال، وقيل غير هذا.
وقوله تعالى: * (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) *.
قال محمد بن كعب: هو كلام متصل بمعنى ما قبله، والضمير في * (ذنوبهم) * عائد على من أهلك من القرون، أي: أهلكوا ولم يسئل غيرهم بعدهم عن ذنوبهم، أي: كل