وقال رؤبة:
* يا هند ما أسرع ما تعسعسا * من بعدما كان فتى فرعرعا * التنفس: خروج النسيم من الجوف، واستعير للصبح ومعناه: امتداده حتى يصير نهارا واضحا. الظنين: المتهم، فعيل بمعنى مفعول، ظننت الرجل: اتهمته، والظنين: البخيل، قال الشاعر:
* أجود بمكنون الحديث وإنني * بسرك عن ما سألتني لضنين * * (إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سيرت * وإذا العشار عطلت * وإذا الوحوش حشرت * وإذا البحار سجرت * وإذا النفوس زوجت * وإذا الموءودة سئلت * بأى * ذنب قتلت * وإذا الصحف نشرت * وإذا السماء كشطت * وإذا الجحيم سعرت * وإذا الجنة أزلفت * علمت نفس ما أحضرت * فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * واليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس * إنه لقول رسول كريم * ذى قوة عند ذى العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون * ولقد رءاه بالافق المبين * وما هو على الغيب بضنين * وما هو بقول شيطان رجيم * فأين تذهبون * إن هو إلا ذكر للعالمين * لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) *.
هذه السورة مكية. ومناسبتها لما قبلها في غاية الظهور. وتكوير الشمس، قال ابن عباس: إدخالها في العرش. وقال مجاهد وقتادة والحسن: ذهاب ضوئها. وقال الربيع بن خثيم: رمى بها، ومنه: كورته فتكور. وقال أبو صالح: نكست؛ وعن ابن عباس أيضا: أظلمت؛ وعن مجاهد: اضمحلت. وقيل: غورت؛ وقيل: يلف بعضها ببعض ويرمى بها في البحر. وقال أبو عبيدة: كورت مثل تكوير العمامة. وقال القرطبي: من كار العمامة على رأسه يكورها، أي لأنها وجمعها، فهي تكور، ثم يمحي ضوءها، ثم يرمي بها. وقال الزمخشري: فإن قلت: ارتفاع الشمس على الابتداء أو الفاعلية؟ قلت: بل على الفاعلية، رافعها فعل مضمر يفسره * (كورت) *، لأن إذا يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط. انتهى. ومن طريقته أنه يسمي المفعول الذي لم يسم فاعله فاعلا، ولا مشاحة في الاصطلاح. وليس ما ذكر من الإعراب مجمعا على تحتمه عند النحاة، بل يجوز رفع الشمس على الابتداء عند الأخفش والكوفيين، لأنهم يجيزون أن تجيء الجملة الاسمية بعد إذا، نحو: إذا زيد يكرمك فأكرمه.
* (انكدرت) *، عن ابن عباس: تساقطت؛ وعنه أيضا: تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها، من قولهم: ماء كدر: أي متغير. وتسيير الجبال: أي عن وجه الأرض، أو سيرت في الجو تسيير السحاب، كقوله: * (وهى تمر مر السحاب) *، وهذا قبل نسفها، وذلك في أول هول يوم القيامة. والعشار: أنفس ما عند العرب من المال، وتعطيلها: تركها مسيبة مهملة، أو عن الحلب لاشتغالهم بأنفسهم، أو عن أن يحمل عنها الفحول؛ وأطلق عليها عشارا باعتبار ما سبق لها ذلك. قال القرطبي: وهذا على وجه المثل، لأنه في القيامة لا يكون عشراء، فالمعنى: أنه لو كان عشراء لعطلها أهلها واشتغلوا بأنفسهم. وقيل: إذا قاموا من القبور شاهدوا الوحوش والدواب محشورة وعشارهم فيها التي كانت كرائم أموالهم، لم يعبؤا بها لشغلهم بأنفسهم. وقيل: العشار: السحاب، وتعطيلها من الماء فلا تمطر. والعرب تسمي السحاب بالحامل. وقيل: العشار: الديار تعطل فلا تسكن. وقيل: العشار: الأرض التي يعشر زرعها، تعطل فلا تزرع.
وقرأ الجمهور: * (عطلت) * بتشديد الطاء؛ ومضر عن اليزيدي: بتخفيفها، كذا في كتاب ابن خالويه، وفي كتاب اللوامح عن ابن كثير، قال في اللوامح، وقيل: هو وهم إنما هو عطلت بفتحتين بمعنى تعطلت، لأن التشديد فيه التعدي، يقال: منه عطلت الشيء وأعطلته فعطل بنفسه، وعطلت المرأة فهي عاطل إذا لم يكن عليها الحلى، فلعل هذه القراءة عن ابن كثير لغة استوى فيها فعلت وأفعلت، والله أعلم. انتهى. وقال امرؤ القيس: