تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤٢٤
* وجيد كجيد الريم ليس بفاحش * إذا هي نصته ولا بمعطل * * (حشرت) *: أي جمعت من كل ناحية. فقال ابن عباس: جمعت بالموت، فلا تبعث ولا يحضر في القيامة غير الثقلين. وعنه وعن قتادة وجماعة: يحشر كل شيء حتى الذباب. وعنه: تحشر الوحوش حتى يقتص من بعضها لبعض، ثم يقتص للجماء من القرناء، ثم يقال لها موتي فتموت. وقيل: إذا قضى بينها ردت ترابا فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم وإعجاب بصورته، كالطاووس ونحوه. وقال أبي: في الدنيا في أول الهول تفر في الأرض وتجتمع إلى بني آدم تآنسا بهم. وقرأ الجمهور: * (حشرت) * بخف الشين؛ والحسن وعمرو بن ميمون: بشدها. * (وإذا البحار سجرت) *: تقدم أقوال العلماء في سجر البحر في الطور، والبحر المسجور، وفي كتاب لغات القراءات، سجرت: جمعت، بلغة خثعم. وقال هنا ابن عطية: ويحتمل أن يكون المعنى: ملكت وقيد اضطرابها حتى لا تخرج على الأرض من الهول، فتكون اللفظة مأخوذة من ساجور الكلب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بخف الجيم؛ وباقي السبعة: بشدها.
قال ابن عطية: وذهب قوم إلى أن هذه الأشياء المذكورة استعارات في كل ابن آدم وأحواله عند الموت. فالشمس نفسه، والنجوم عيناه وحواسه، وهذا قول ذاهب إلى إثبات الرموز في كتاب الله تعالى. انتهى. وهذا مذهب الباطنية، ومذاهب من ينتمي إلى الإسلام من غلاة الصوفية، وقد أشرنا إليهم في خطبة هذا الكتاب؛ وإنما هؤلاء زنادقة تستروا بالانتماء إلى ملة الإسلام. وكتاب الله جاء بلسان عربي مبين، لا رمز فيه ولا لغز ولا باطن، ولا إيماء لشيء مما تنتحله الفلاسفة ولا أهل الطبائع. ولقد ضمن تفسيره أبو عبد الله الرازي المعروف بابن خطيب الري أشياء مما قاله الحكماء عنده وأصحاب النجوم وأصحاب الهيئة، وذلك كله بمعزل عن تفسير كتاب الله عز وجل. وكذلك ما ذكره صاحب التحرير والتحبير في آخر ما يفسره من الآيات من كلام من ينتمي إلى الصوف ويسميها الحقائق، وفيها ما لا يحل كتابته، فضلا عن أن يعتقد، نسأل الله تعالى السلامة في ديننا وعقائدنا وما به قوام ديننا ودنيانا.
* (وإذا النفوس زوجت) *: أي المؤمن مع المؤمن والكافر مع الكافر، كقوله: * (وكنتم أزواجا ثلاثة) *، قاله عمر وابن عباس؛ أو نفوس المؤمنين بأزواجهم من الحور العين وغيرهن، قاله مقاتل بن سليمان؛ أو الأزواج الأجساد، قاله عكرمة والضحاك والشعبي. وقرأ عاصم في رواية: زووجت على فوعلت، والمفاعلة تكون بين اثنين. والجمهور: بواو مشددة. وقال الزمخشري: وأد يئد، مقلوب من آد يؤد إذا أثقل. قال الله تعالى: * (ولا * يؤده * حفظهما) *، لأنه إثقال بالتراب. انتهى. ولا يدعي في وأد أنه مقلوب من آد، لأن كلا منهما كامل التصرف في الماضي والأمر والمضارع والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول، وليس فيه شيء من مسوغات ادعاء القلب. والذي يعلم به الأصالة من القلب أن يكون أحد النظمين فيه حكم يشهد له بالأصالة والآخر ليس كذلك، أو كونه مجردا من حروف الزيادة والآخر فيه مزيدا وكونه أكثر تصرفا والآخر ليس كذلك، أو أكثر استعمالا من الآخر، وهذا على ما قرروا أحكم في علم التصريف. فالأول كيثس وأيس، والثاني كطأمن واطمأن، والثالث كشوايع وشواع، والرابع كلعمري ورعملي.
وقرأ الجمهور: * (الموءودة) *، بهمزة بين الواوين، اسم مفعول. وقرأ البزي في رواية: الموؤودة، بهمزة مضمومة على الواو، فاحتمل أن يكون الأصل الموؤودة كقراءة الجمهور، ثم نقل حركة الهمزة إلى الواو بعد حذف الهمزة، ثم الواو المنقول إليها الحركة. واحتمل أن يكون اسم مفعول من آد؛ فالأصل مأوودة، فحذف إحدى الواوين على الخلاف الذي فيه المحذوف واو المد أو الواو التي هي عين، نحو: مقوول، حيث قالوا: مقول. وقرئ الموودة، بضم الواو الأولى وتسهيل الهمزة، أعني التسهيل بالحذف، ونقل حركتها إلى الواو. وقرأ الأعمش: المودة، بكسون الواو على وزن الفعلة، وكذا وقف لحمزة بن مجاهد. ونقل القراء أن حمزة يقف عليها كالموودة لأجل الخط لأنها رسمت كذلك، والرسم سنة متبعة. وقرأ الجمهور: * (سئلت) * مبنيا للمفعول، * (بأى * ذنب قتلت) *: كذلك وخف الياء وبتاء التأنيث فيهما، وهذا السؤال هو لتوبيخ الفاعلين للوأد، لأن سؤالها يؤول إلى سؤال
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»