تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤١٢
يقبضونها، وقد عاينت السرور شوقا إلى لقاء الله تعالى. وقال عطاء: الخيل، وقيل: النجوم، وقيل: المنايا تسبق الآمال. * (فالمدبرات) *، قال ابن عطية لا أحفظ خلافا أنها الملائكة، ومعناه أنها التي تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى وصرفها فيها، كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات. انتهى. وقيل: الملائكة الموكلون بالأحوال: جبريل للوحي، وميكائيل للمطر، وإسرافيل للنفخ في الصور، وعزرائيل لقبض الأرواح. وقيل: تدبيرها: نزولها بالحلال والحرام. وقال معاذ: هي الكواكب السبعة، وإضافة التدبير إليها مجاز، أي يظهر تقلب الأحوال عند قرانها وتربيعها وتسديسها وغير ذلك.
ولفق الزمخشري من هذه الأقوال أقوالا اختارها وأدارها أولا على ثلاثة: الملائكة أو الخيل أو النجوم. ورتب جميع الأوصاف على كل واحد من الثلاثة، فقال: أقسم سحابة بطوائف الملائكة التي هي تنزع الأرواح من الأجساد، وبالطوائف التي تنشطها، أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، وبالطوائف التي تسبح في مضيها، أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمرا من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم؛ كما رسم لهم غرقا، أي إغراقا في النزع، أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها وأظافرها. أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها إلى آخر ما نقلناه؛ ثم قال: من قولك: ثور ناشط، إذا خرج من بلد إلى بلد، والتي تسبح في جريتها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه. أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب، وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط من أقصى المغرب، والتي تخرج من برج إلى برج، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمرا في علم الحساب.
وقيل: النازعات: أيدي الغزاة أو أنفسهم تنزع القسي بإغراق السهام والتي تنشط الإرهاق. انتهى. والذي يظهر أن ما عطف بالفاء هو من وصف المقسم به قبل الفاء، وأن المعطوف بالواو وهو مغاير لما قبله، كما قررناه في المرسلات، على أنه يحتمل أن يكون المعطوف بالواو ومن عطف الصفات بعضها على بعض. والمختار في جواب القسم أن يكون محذوفا وتقديره: لتبعثن لدلالة ما بعده عليه، قاله الفراء. وقال محمد بن علي الحكيم الترمذي: الجواب: * (إن فى ذلك لعبرة لمن يخشى) *، والمعنى فيما اقتصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى عليه السلام وفرعون. قال ابن الأنباري: وهذا قبيح لأن الكلام قد طال. وقيل: اللام التي تلقى بها القسم محذوفة من قوله: * (يوم ترجف الراجفة) *، أي ليوم كذا، * (تتبعها الرادفة) *، ولم تدخل نون التوكيد لأنه قد فصل بين اللام المقدرة والفعل؛ وقول أبي حاتم هو علي التقديم والتأخير، كأنه قال: * (فإذا هم بالساهرة) *. * (والنازعات) *، قال ابن الأنباري: خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام. وقيل: التقدير: * (يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة) *، * (والنازعات) * على التقديم والتأخير أيضا وليس بشيء. وقيل: الجواب: * (هل أتاك حديث موسى) *، لأنه في تقدير قد أتاك وليس بشيء، وهذا كله إعراب من لم يحكم العربية، وحذف الجواب هو الوجه، ويقرب القول بحذف اللام من * (يوم ترجف) *. قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد: هما الصيحتان، أي النفختان، الأولى تميت كل شيء، وفي الثانية تحيي. وقال مجاهد أيضا: الواجفة: الزلزلة، والرادفة: الصيحة. وقال ابن زيد: الواجفة: الأرض، والرادفة: الساعة، والعامل في يوم اذكر مضمرة، أو لتبعثن المحذوف؛ واليوم متسع تقع فيه النفختان، وهم يبعثون في بعض ذلك اليوم المتسع، وتتبعها حال. قيل: أو مستأنف. واجفة: مضطربة، ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإشفاق، ومنه قول قيس بن الخطيم:
* إن بني حجبا وأسرتهم * أكبادنا من ورائهم تجف * * (قلوب) *: مبتدأ، * (واجفة) *: صفة تعمل في * (يومئذ) *، * (أبصارها) *: أي أبصار أصحاب القلوب، * (خاشعة) *: مبتدأ وخبر في موضع
(٤١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 ... » »»