تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤٣٤
النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون * إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون * على الارائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) *.
لما ذكر تعالى أمر كتاب الفجار، عقبه بذكر كتاب ضدهم ليتبين الفرق. عليون: جمع واحده علي، مشتق من العلو، وهو المبالغة، قاله يونس وابن جني. قال أبو الفتح: وسبيله أن يقال علية، كما قالوا للغرفة علية، فلما حذفت التاء عوضوا منها الجمع بالواو والنون. وقيل: هو وصف للملائكة، فلذلك جمع بالواو والنون. وقال الفراء: هو اسم موضوع على صفة الجمع، ولا واحد له من لفظه، كقوله: عشرين وثلاثين؛ والعرب إذا جمعت جمعا، ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية، قالوا في المذكر والمؤنث بالواو والنون. وقال الزجاج: أعرب هذا الاسم كإعراب الجمع، هذه قنسرون، ورأيت قنسرين. وعليون: الملائكة، أو المواضع العلية، أو علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما علمته الملائكة وصلحاء الثقلين، أو علو في علو مضاعف، أقوال ثلاثة للزمخشري.
وقال أبو مسلم: * (كتاب الابرار) *: كتابة أعمالهم، * (لفى عليين) *. ثم وصف عليين بأنه * (كتاب مرقوم) * فيه جميع أعمال الأبرار. وإذا كان مكانا فاختلفوا في تعيينه اختلافا مضطربا رغبنا عن ذكره. وإعراب * (لفى عليين) *، و * (كتاب مرقوم) * كإعراب * (لفى سجين) *، و * (كتاب مرقوم) *. وقال ابن عطية: و * (كتاب مرقوم) * في هذه الآية خبر إن والظرف ملغى. انتهى. هذا كما قال في * (لفى سجين) *، وقد رددنا عليه ذلك وهذا مثله. والمقربون هنا، قال ابن عباس وغيره: هم الملائكة أهل كل سماء، * (ينظرون) *، قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد: إلى ما أعد لهم من الكرامات. وقال مقاتل: إلى أهل النار. وقيل: ينظر بعضهم إلى بعض. وقرأ الجمهور: * (تعرف) * بتاء الخطاب، للرسول صلى الله عليه وسلم)، أو للناظر. * (نضرة النعيم) *، نصبا. وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وطلحة وشيبة ويعقوب والزعفراني: تعرف مبنيا للمفعول، نضرة رفعا؛ وزيد بن علي: كذلك، إلا أنه قرأ: يعرف بالياء، إذ تأنيث نضرة مجازي؛ والنضرة تقدم شرحها في قوله: * (نضرة وسرورا) *. * (مختوم) *، الظاهر أن الرحيق ختم عليه تهمما وتنظفا بالرائحة المسكية، كما فسره ما بعده. وقيل: تختم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة. وقرأ الجمهور: * (ختامه) *: أي خلطه ومزاجه، قاله عبد الله وعلقمة. وقال ابن عباس وابن جبير والحسن: معناه خاتمته، أي يجد الرائحة عند خاتمة الشراب، رائحة المسك. وقال أبو علي: أي إبزاره المقطع وذكاء الرائحة مع طيب الطعم. وقيل: يمزج بالكافور ويختم مزاجه بالمسك. وفي الصحاح: الختام: الطين الذي يختم به، وكذا قال مجاهد وابن زيد: ختم إناؤه بالمسك بدل الطين، وقال الشاعر:
* كأن مشعشعا من خمر بصرى * نمته البحث مشدود الختام * وقرأ علي والنخعي والضحاك وزيد بن علي: وأبو حيوة وابن أبي عبلة والكسائي: خاتمه، بعد الخاء ألف وفتح التاء، وهذه بينة المعنى، إنه يراد بها الطبع على الرحيق. وعن الضحاك وعيسى وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي: كسر التاء، أي آخره مثل قوله: * (وخاتم النبيين) *، وفيه حذف، أي خاتم رائحته المسك؛ أو خاتمه الذي يختم به ويقطع. * (من تسنيم) *، قال عبد الله وابن عباس: هو أشرف شراب الجنة، وهو اسم مذكر لماء عين في الجنة. وقال الزمخشري: * ( تسنيم) *: علم لعين بعينها، سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه. و * (عينا) * نصب على المدح. وقال الزجاج: على الحال. انتهى. وقال الأخفش: يسقون عينا، * (يشرب بها) *: أي يشربها أو منها، أو ضمن يشرب معنى يروى بها أقوال. * (المقربون) *، قال ابن مسعود وابن عباس والحسن وأبو صالح: يشربها المقربون
(٤٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 ... » »»