تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤١٩
والحسن وأبو عمران الجوني وعيسى: أآن بهمزة ومدة بعدها؛ وبعض القراء: بهمزتين محققتين، والهمزة في هاتين القراءتين للاستفهام، وفيهما يقف على تولى. والمعنى: ألأن جاءه كاد كذا. وجاء بضمير الغائب في * (عبس وتولى) * إجلالا له عليه الصلاة والسلام، ولطفا به أن يخاطبه لما في المشافهة بتاء الخطاب مما لا يخفى. وجاء لفظ * (الاعمى) * إشعارا بما يناسب من الرفق به والصغو لما يقصده، ولابن عطية هنا كلام أضربت عنه صفحا. والضمير في * (لعله) * عائد على * (الاعمى) *، أي يتطهر بما يتلقن من العلم، أو * (يذكر) *: أي يتعظ، * (فتنفعه) * ذكراك، أي موعظتك. والظاهر مصب * (يدريك) * على جملة الترجي، فالمعنى: لا تدري ما هو مترجى منه من تزك أو تذكر. وقيل: المعنى وما يطلعك على أمره وعقبى حاله.
ثم ابتدأ القول: * (لعله يزكى) *: أي تنمو بركته ويتطهر لله. وقال الزمخشري: وقيل: الضمير في * (لعله) * للكافر، يعني أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام ، أو يذكر فتقر به الذكرى إلى قبول الحق، وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. انتهى. وهذا قول ينزه عنه حمل القرآن عليه. وقرأ الجمهور: * (أو يذكر) * بشد الذال والكاف، وأصله يتذكر فأدغم؛ والأعرج وعاصم في رواية: أو يذكر، بسكون الذال وضم الكاف. وقرأ الجمهور: * (فتنفعه) *، برفع العين عطفا على * (أو يذكر) *؛ وعاصم في المشهور، والأعرج وأبو حيوة أبي عبلة والزعفراني: بنصبهما. قال ابن عطية: في جواب التمني، لأن قوله: * (أو يذكر) * في حكم قوله * (لعله يزكى) *. انتهى. وهذا ليس تمنيا، إنما هو ترج وفرق بين الترجي والتمني. وقال الزمخشري: وبالنصب جوابا للعل، كقوله: * (فأطلع إلى إلاه موسى) *. انتهى. والترجي عند البصريين لا جواب له، فينصب بإضمار أن بعد الفاء. وأما الكوفيون فيقولون: ينصب في جواب الترجي، وقد تقدم لنا الكلام على ذلك في قوله: * (فأطلع إلى إلاه موسى) * في قراءة حفص، ووجهنا مذهب البصريين في نصب المضارع.
* (أما من استغنى) *: ظاهره من كان ذا ثروة وغنى. وقال الكلبي: عن الله. وقيل: عن الإيمان بالله. قيل: وكونه بمعنى الثروة لا يليق بمنصب النبوة، ويدل على ذلك أنه لو كان من الثروة لكان المقابل: وأما من جاءك فقيرا حقيرا. وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والأعرج وعيسى والأعمش وجمهور السبعة: * (تصدى) * بخف الصاد، وأصله يتصدى فحذف؛ والحرميان: بشدها، أدغم التاء في الصاد؛ وأبو جعفر: تصدى، بضم التاء وتخفيف الصاد، أي يصدك حرصك على إسلامه. يقال: تصدى الرجل وصديته، وهذا المستغنى هو الوليد، أو أمية، أو عتبة وشيبة، أو أمية وجميع المذكورين في سبب النزول، أقوال. قال القرطبي: وهذا كله غلط من المفسرين، لأنه أمية والوليد كانا بمكة، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما، وماتا كافرين، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر، ولم يقصد قط أمية المدينة، ولا حضر معه مفردا ولا مع أحد. انتهى. والغلط من القرطبي، كيف ينفي حضور ابن أم مكتوم معهما؟ وهو وهم منه، وكلهم من قريش، وكان ابن أم مكتوم بها: والسورة كلها مكية بالإجماع. وكيف يقول: وابن أم مكتوم بالمدينة؟ كان أولا بمكة، ثم هاجر إلى المدينة، وكانوا جميعهم بمكة حين نزول هذه الآية. وابن أم مكتوم هو عبد الله بن سرح بن مالك بن ربيعة الفهري، من بني عامر بن لؤي، وأم مكتوم أم أبيه عاتكة، وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها.
* (وما عليك ألا يزكى) *: تحقير لأمر الكافر وحض على الإعراض عنه وترك الاهتمام به، أي: وأي شيء عليك في كونه لا يفلح ولا يتطهر من دنس الكفر؟ * (وأما من جاءك يسعى) *: أي يمشي بسرعة في أمر دينه، * (وهو) *: أي يخاف الله، أو يخاف الكفار وأذاهم، أو يخاف العثار والسقوط لكونه أعمى، وقد جاء بلا قائد يقوده. * (عنه تلهى) *: تشتغل، يقال: لها عن الشيء يلهى، إذا اشتغل عنه. قيل: وليس من اللهو الذي هو من ذوات الواو. انتهى. ويمكن أن يكون منه، لأن ما يبنى على فعل من ذوات الواو وتنقلب واوه ياء لكسرة ما قبلها، نحو: شقي يشقى، فإن كان مصدره جاء بالياء، فيكون من مادة غير مادة اللهو. وقرأ الجمهور: * (تلهى) *؛ والبزي عن ابن كثير: عنه وتلهى، بإدغام تاء المضارعة في تاء تفعل؛ وأبو جعفر: بضمها مبنيا للمفعول، أي يشغلك دعاء الكافر للإسلام؛ وطلحة: بتاءين؛ وعنه بتاء واحدة وسكون اللام.
* (كلا إنها) *: أي سورة القرآن والآيات، * (تذكرة) *: عظة ينتفع بها. * (فمن شاء
(٤١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 ... » »»