تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤٢٠
ذكره) *: أي فمن شاء أن يذكر هذه الموعظة ذكره، أتى بالضمير مذكرا لأن التذكرة هي الذكر، وهي جملة معترضة تتضمن الوعد والوعيد، * (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) *، واعترضت بين تذكرة وبين صفته، أي تذكرة: كائنة. * (فى صحف) *، قيل: اللوح المحفوظ، وقيل: صحف الأولياء المنزلة، وقيل: صحف المسلمين، فيكون إخبارا بمغيب، إذ لم يكتب القرآن في صحف زمان، كونه عليه السلام بمكة ينزل عليه القرآن، مكرمة عند الله، ومرفوعة في السماء السابعة، قاله يحيى بن سلام، أو مرفوعة عن الشبه والتناقض، أو مرفوعة المقدار. * (مطهرة) *: أي منزهة عن كل دنس، قاله الحسن. وقال أيضا: مطهرة من أن تنزل على المشركين. وقال الزمخشري: منزهة عن أيدي الشياطين، لا تمسها إلا أيدي ملائكة مطهرة. * (سفرة) *: كتبة ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ. انتهى. * (بأيدى سفرة) *، قال ابن عباس: هم الملائكة لأنهم كتبة. وقال أيضا: لأنهم يسفرون بين الله تعالى وأنبيائه. وقال قتادة: هم القراء، وواحد السفرة سافر. وقال وهب: هم الصحابة، لأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعليم والعلم.
* (قتل الإنسان ما أكفره) *، قيل: نزلت في عتبة بن أبي لهب، غاضب أباه فأسلم، ثم استصلحه أبوه وأعطاه مالا وجهزه إلى الشام، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه كافر برب النجم إذا هوى. وروي أنه صلى الله عليه وسلم) قال: (اللهم ابعث عليه كلبك يأكله). فلما انتهى إلى الغاضرة ذكر الدعاء، فجعل لمن معه ألف دينار إن أصبح حيا، فجعلوه وسط الرفقة والمتاع حوله. فأقبل الأسد إلى الرجال ووثب، فإذا هو فوقه فمزقه، فكان أبوه يندبه ويبكي عليه، وقال: ما قال محمد شيئا قط إلا كان، والآية، وإن نزلت في مخصوص، فالإنسان يراد به الكافر. وقتل دعاء عليه، والقتل أعظم شدائد الدنيا. * (ما أكفره) *، الظاهر أنه تعجب من إفراط كفره، والتعجب بالنسبة للمخلوقين، إذ هو مستحيل في حق الله تعالى، أي هو ممن يقال فيه ما أكفره. وقيل: ما استفهام توقيف، أي: أي شيء أكفره؟ أي جعله كافرا، بمعنى لأي شيء يسوغ له أن يكفر.
* (من أى شىء خلقه) *: استفهام على معنى التقرير على حقارة ما خلق منه. ثم بين ذلك الشيء الذي خلق منه فقال: * (من نطفة خلقه فقدره) *: أي فهيأه لما يصلح له. وقال ابن عباس: أي في بطن أمه، وعنه قدر أعضاءه، وحسنا ودميما وقصيرا وطويلا وشقيا وسعيدا. وقيل: من حال إلى حال، نطفة ثم علقة، إلى أن تم خلقه. * (ثم السبيل يسره) *: أي ثم يسر السبيل، أي سهل. قال ابن عباس وقتادة وأبو صالح والسدي: سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان، وتيسيره له هو هبة العقل. وقال مجاهد والحسن وعطاء وابن عباس في رواية أبي صالح عنه: السبيل العام اسم الجنس في هدى وضلال، أي يسر قوما لهذا، كقوله: * (إنا هديناه السبيل) * الآية، وقوله تعالى: * (وهديناه النجدين) *؛ وعن ابن عباس: يسره للخروج من بطن أمه. * (ثم أماته فأقبره) *: أي جعل له قبرا صيانة لجسده أن يأكله الطير والسباع. قبره: ذفنه، وأقبره: صيره بحيث يقبر وجعل له قبرا، والقابر: الدافن بيده. قال الأعشى:
* لو أسندت ميتا إلى قبرها * عاش ولم ينقل إلى قابر * * (ثم إذا شاء أنشره) *: أي إذا أراد إنشاره أنشره، والمعنى: إذا بلغ الوقت الذي قد شاءه الله، وهو يوم القيامة. وفي كتاب اللوامح شعيب بن الحبحاب: شاء نشره، بغير همز قبل النون، وهما لغتان في الأحياء؛ وفي كتاب ابن عطية: وقرأ شعيب بن أبي حمزة: شاء نشره. * (كلا) *: ردع للإنسان عن ما هو فيه من الكفر والطغيان. * (لما يقض) *: يفي من أول مدة تكليفه إلى حين إقباره، * (ما أمره) * به الله تعالى، فالضمير في يقض للإنسان. وقال ابن فورك: لله تعالى، أي لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان، بل أمره بما لم يقض له. ولما عدد تعالى نعمه في نفس الإنسان، ذكر النعم فيما به قوام حياته، وأمره بالنظر إلى طعامه وكيفيات الأحوال التي اعتورت على طعامه حتى صار بصدد أن يطعم. والظاهر أن الطعام هو المطعوم، وكيف ييسره الله تعالى بهذه الوسائط المذكورة من صب الماء وشق الأرض والإنبات، وهذا قول الجمهور. وقال أبي وابن
(٤٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 ... » »»