* (لنجعلها) *: أي سفينة نوح عليه السلام، * (لكم تذكرة) * بما جرى لقومه الهالكين وقومه الناجين فيها وعظة. قال قتادة: أدركها أوائل هذه الأمة. وقال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي. وقيل: لنجعل تلك الجملة في سفينة نوح عليه السلام لكم موعظة تذكرون بها نجاة آبائكم وإغراق مكذبي نوح عليه السلام، * (وتعيها) *: أي تحفظ قصتها، * (أذن) * من شأنها أن تعي المواعظ، يقال: وعيت لما حفظ في النفس، وأوعيت لما حفظ في غير النفس من الأوعية. وقال قتادة: الواعية هي التي عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتاب الله؛ وفي الحديث، أنه صلى الله عليه وسلم) قال لعلي: (إني دعوت الله تعالى أن يجعلها أذنك يا علي). قال علي رضي الله تعالى عنه: فما سمعت بعد ذلك شيئا فنسيته، وقرأها: وتعيها، بكسر العين وتخفيف الياء العامة؛ وابن مصرف وأبو عمرو في رواية هارون وخارجة عنه؛ وقنبل بخلاف عنه: بإسكانها؛ وحمزة: بإخفاء الحركة، ووجه الإسكان التشبيه في الفعل بما كان على وزن فعل في الاسم والفعل. نحو: كبد وعلم. وتعي ليس على وزن فعل، بل هو مضارع وعي، فصار إلى فعل وأصله حذفت واوه. وروي عن عاصم عصمة وحمزة الأزرق: وتعيها بتشديد الياء، قيل: وهو خطأ وينبغي أن يتأول على أنه أريد به شدة بيان الياء إحترازا ممن سكنها، لا إدغام حرف في حرف، ولا ينبغي أن يجعل ذلك من باب التضعيف في الوقف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، وإن كان قد ذهب إلى ذلك بعضهم. وروي عن حمزة وعن موسى بن عبد الله العنسي: وتعيها بإسكان الياء، فاحتمل الاستئناف وهو الظاهر، واحتمل أن يكون مثل قراءة من أوسط ما تطعمون أهاليكم بسكون الياء. وقال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل * (أذن واعية) * على التوحيد والتنكير؟ قلت: للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله تعالى فهي السواد الأعظم عند الله تعالى، وأن ما سواها لا يبالي بالة وإن ملأوا ما بين الخافقين. انتهى، وفيه تكثير.
ولما ذكر تعالى ما فعل بمكذبي الرسل من العذاب في الدنيا، ذكر أمر الآخرة وما يعرض فيها لأهل السعادة وأهل الشقاوة، وبدأ بإعلام يوم القيامة فقال: * (فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة) *، وهذه النفخة نفخة الفزع. قال ابن عباس: وهي النفخة الأولى التي حصل عنها خراب العالم، ويؤيد ذلك قوله: * (وحملت الارض والجبال) *. وقال ابن المسيب ومقاتل: هي النفخة الآخرة، وعلى هذا لا يكون الدك بعد النفخ، والواو لا ترتب. وروي ذلك عن ابن عباس أيضا، ولما كانت مرة أكدت بقوله: * (واحدة) *. وقرأ الجمهور: نفخة واحدة، برفعهما، ولم تلحق التاء نفخ، لأن تأنيث النفخة مجازى ووقع الفصل. وقال ابن عطية: لما نعت صح رفعه. انتهى. ولو لم ينعت لصح، لأن نفخة مصدر محدود ونعته ليس بنعت تخصيص، إنما هو نعت توكيد. وقرأ أبو السمال: بنصبهما، أقام الجار والمجرور مقام الفاعل. وقرأ الجمهور: * (وحملت) * بتخفيف الميم؛ وابن أبي عبلة وابن مقسم والأعمش وابن عامر في رواية يحيى: بتشديدها، فالتخفيف على أن تكون * (الارض والجبال) * حملتها الريح العاصف أو الملائكة أو القدرة من غير واسطة مخلوق. ويبعد قوله من قال: إنها الزلزلة، لأن الزلزلة ليس فيها حمل، إنما هي اضطراب. والتشديد على أن تكون للتكثير، أو يكون التضعيف للنقل، فجاز أن تكون * (الارض والجبال) * المفعول الأول أقيم مقام الفاعل، والثاني محذوف، أي ريحا تفتتها أو ملائكة أو قدرة. وجاز أن يكون الثاني أقيم مقام الفاعل، والأول محذوف، وهو واحد من الثلاثة المقدرة. وثني الضمير في * (فدكتا) *، وإن كان قد تقدمه ما يعود عليه ضمير الجمع، لأن المراد جملة الأرض وجملة الجبال، أي ضرب بعضها ببعض حتى تفتتت، وترجع كما قال تعالى: * (كثيبا مهيلا) *. والدك فيه تفرق الأجزاء لقوله: * (هباء) *، والدق فيه اختلاف الأجزاء. وقيل: تبسط فتصير أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وهو من قولهم: بعير أدك وناقة دكاء إذا ضعفا، فلم يرتفع سنامهما واستوت عراجينهما مع ظهريهما. * (فيومئذ) * معطوف على * (فإذا نفخ فى الصور) *، وهو منصوب بوقعت، كما أن إذا منصوب بنفخ على ما اخترناه وقررناه واستدللنا له في أن العامل في إذا هو الفعل الذي يليهما لا الجواب، وإن كان مخالفا