تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١١
الابتداء، أي من ينشأ جعلوه لله. وقرأ الجمهور: ينشأ مبنيا للفاعل، والجحدري في قول: مبنيا للمفعول مخففا، وابن عباس وزيد بن علي والحسن ومجاهد والجحدري: في رواية، والإخوان وحفص والمفضل وإبان وابن مقسم وهارون، عن أبي عمرو: مبنيا للمفعول مشددا، والحسن: في رواية يناشؤ على وزن يفاعل مبنيا للمفعول، والمناشأة بمعنى الإنشاء، كالمعالاة بمعنى الإعلاء. * (وفى * الخصام) *: متعلق بمحذوف تفسيره غير مبين، أي وهو لا يبين في الخصام. ومن أجاز أما زيدا، غير ضارب بأعمال المضاف إليه في غير أجاز أن يتعلق بمبين، أجرى غير مجرى لا. وبتقديم معمول أما بعد لا مختلف فيه، وقد ذكر ذلك في النحو.
* (وجعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون * وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون * أم ءاتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون * بل قالوا إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا علىءاثارهم مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على) *.
لم يكفهم أن جعلوا لله ولدا، وجعلوه إناثا، وجعلوهم من الملائكة، وهذا من جهلهم بالله وصفاته، واستخفافهم بالملائكة، حيث نسبوا إليهم الأنوثة. وقرأ عمر بن الخطاب، والحسن، وأبو رجاء، وقتادة، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، والابنان، ونافع: عند الرحمن، ظرفا، وهو أدل على رفع المنزلة وقرب المكانة لقوله: * (إن الذين عند ربك) *. وقرأ عبد الله، وابن عباس، وابن جبير، وعلقمة، وباقي السبعة: عباد الرحمن، جمع عبد لقوله: * (بل عباد مكرمون) *. وقرأ الأعمش: عباد الرحمن، جمعا. وبالنصب، حكاها ابن خالويه، قال: وهي في مصحف ابن مسعود كذلك، والنصب على إضمار فعل، أي الذين هم خلقوا عباد الرحمن، وأنشؤوا عباد الرحمن إناثا. وقرأ أبي عبد الرحمن: مفردا، ومعناه الجمع، لأنه اسم جنس. وقرأ الجمهور: وأشهدوا، بهمزة الاستفهام داخلة على شهدوا، ماضيا مبنيا للفاعل، أي أحضروا خلقهم، وليس ذلك من شهادة تحمل المعاني التي تطلب أن تؤدي. وقيل: سألهم الرسول عليه السلام: (ما يدريكم أنهم إناث)؟ فقالوا: سمعنا ذلك من آبائنا، ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا، فقال الله تعالى: * (ستكتب شهادتهم ويسئلون) * عنها، أي في الآخرة. وقرأ نافع: بهمزة داخلة على أشهدوا، رباعيا مبنيا للمفعول بلا مد بين الهمزتين. والمسبى عنه: بمدة بينهما؛ وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، ومجاهد، وفي رواية أبي عمرو، ونافع: بتسهيل الثانية بلا مد؛ وجماعة: كذلك بمد بينهما. وعن علي والمفضل، عن عاصم: تحقيقهما بلا مد؛ والزهري وناس: أشهدوا بغير استفهام، مبنيا للمفعول رباعيا، فقيل: المعنى على الاستفهام، حذفت الهمزة لدلالة المعنى عليها. وقيل: الجملة صفة للإناث، أي إناثا مشهدا منهم خلقهم، وهم لم يدعوا أنهم شهدوا خلقهم، لكن لما ادعوا لجراءتهم أنهم إناث، صاروا كأنهم ادعوا ذلك وإشهادهم خلقهم. وقرأ الجمهور: إناثا، وزيد بن علي: أنثا، جمع جمع. قيل: ومعنى وجعلوا: سموا، وقالوا: والأحسن أن يكون المعنى: وصيروا اعتقادهم الملائكة إناثا، وهذا الاستفهام فيه تهكم بهم، والمعنى: إظهار فساد عقولهم، وأن دعاويهم مجردة من الحجة، وهذا نظير الآية الطاعنة على أهل التنجيم والطبائع: * (ما أشهدتهم خلق * السماوات والارض ولا * خلق أنفسهم) *. وقرأ
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»