تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٥٢
لبعض الصوارف. والثاني: أن يكسرها ويذهب ولا يشعر بذلك أحد، ويكون إقبالهم إليه يزفون بعد رجوعهم من عيدهم، وسؤالهم عن الكاسر، وقولهم: * (قالوا فأتوا به على أعين الناس) *. انتهى. وهذا الوجه الثاني الذي ذكر هو الصحيح.
* (قال أتعبدون ما تنحتون) *: استفهام توبيخ وإنكار عليهم، كيف هم يعبدون صورا صوروها بأيديهم وشكلوها على ما يريدون من الأشكال؟ * (والله خلقكم وما تعملون) *: الظاهر أن ما موصولة بمعنى الذي معطوفة على الضمير في خلقكم، أي أنشأ ذواتكم وذوات ما تعملون من الأصنام، والعمل هنا هو التصوير والتشكيل، كما يقول: عمل الصائغ الخلخال، وعمل الحداد القفل، والنجار الخزانة؛ ويحمل ذلك على أن ما بمعنى الذي يتم الاحتجاج عليهم، بأن كلا من الصنم وعابده هو مخلوق لله تعالى، والعابد هو المصور ذلك المعبود، فكيف يعبد مخلوق مخلوقا؟ وكلاهما خلق الله، وهو المنفرد بإنشاء ذواتهما. والعابد مصور الصنم معبوده. وما في: * (وما * تنحتون) * بمعنى الذي، فكذلك في * (وما تعملون) *، لأن نحتهم هو عملهم. وقيل: ما مصدرية، أي خلقكم وعملكم، وجعلوا ذلك قاعدة على خلق الله أفعال العباد. وقد بدد الزمخشري تقابل هذه المقالة بما يوقف عليه في كتابه. وقيل: ما استفهام إنكاري، أي: وأي شيء تعملون في عبادتكم أصناما تنحتونها؟ أي لا عمل لكم يعتبر. وقيل: ما نافية، أي وما أنتم تعملون شيئا في وقت خلقكم ولا تقدرون على شيء. وكون ما مصدرية واستفهامية ونعتا، أقوال متعلقة خارجة عن طريق البلاغة. ولما غلبهم إبراهيم، عليه السلام، بالحجة، مالوا إلى الغلبة بقوة الشوكة والجمع فقالوا: * (ابنوا له بنيانا) *، أي في موضع إيقاد النار. وقيل: هو المنجنيق الذي رمي عنه. وأرادوا به كيدا، فأبطل الله مكرهم، وجعلهم الأخسرين الأسفلين، وكذا عادة من غلب بالحجة رجع إلى الكيد.
2 (* (وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين * رب هب لى من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنىأرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدنىإن شآء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن ياإبراهيم * قد صدقت الرؤيآ إنا كذلك نجزى المحسنين * إن هاذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم
(٣٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 ... » »»