تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٤٧
بتقديره فاطلع الاطلاع، أو حرف الجر المحذوف، أي فاطلع به، لأنه اطلع لازم، كما أن أقبل كذلك. انتهى. وقد ذكرنا أن أطلع عدى بالهمزة من طلع اللازم، وأما قوله: أو حرف الجر المحذوف، أي فاطلع، به فهذا لا يجوز، لأن مفعول ما لم يسم فاعله لا يجوز حذفه، لأنه نائب عن الفاعل. فكما أن الفاعل لا يجوز حذفه دون عامله، فكذلك هذا. لو قلت: زيد ممدود أو مغضوب، تريد به أو عليه، لم يجز. و * (سواء الجحيم) *: وسطها، تقول: تعبت حتى انقطع سوائي. قال ابن عباس: سمي سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب، يعني سواء الجحيم.
وقال خليل العصري: رآه: تبدلت حاله، فلولا ما عرفه الله به لم يعرفه، قال له عند ذلك: * (تالله إن كدت لتردين) *: أي لتهلكني بإغوائك. وإن مخففة من الثقيلة، يلقي بها القسم؛ وتالله قسم فيه التعجب من سلامته منه إذا كان قرينه قارب أن يرديه. * (ولولا نعمة ربى) *: وهي توفيقه للإيمان والبعد من قرين السوء، * (لكنت من المحضرين) * للعذاب، كما أحضرته أنت. * (أفما نحن بميتين) *، قرأ زيد بن علي: بمائتين، والظاهر أنه من كلام القائل: يسمع قرينه على جهة التوبيخ له، أي لسنا أهل الجنة بميتين، لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا، بخلاف أهل النار، فإنهم في كل ساعة يتمنون فيها الموت.
* (وما نحن بمعذبين) *، كحال أهل النار، بل نحن منعمون دائما. ويكون في خطابه ذلك منكلا له، مقرعا محزنا له أنعم الله به عليه من دخول الجنة، معلما له بتباين حاله في الآخرة بحاله. كما كانتا تتباينان في الدنيا من أنه ليس بعد الموت جزاء ظهر له خلافه، يعذب بكفره بالله وإنكار البعث. ويجوز أن يكون خطابا من القائل لرفقائه، لما رأى ما نزل بقرينه، وقفهم على نعمه تعالى في ديمومة خلودهم في الجنة ونعيمهم فيها. ويتصل قوله: * (إن هذا) * إلى قوله: * (العاملون) * بهذا التأويل أيضا، لا واضحا خطابا لرفقائه. ويجوز أن يكون تم كلامه عند قوله: * (لتردين) *، ويكون * (أفما نحن) * إلى * (بمعذبين) * من كلامه وكلام رفقائه، وكذلك * (إن هذا) * إلى * (العاملون) *: أي إن هذا الأمر الذي نحن فيه من النعيم والنجاة من النار. وقيل: هو من قول الله تعالى، تقريرا لقولهم وتصديقا له وخطابا لرسول الله وأمته، ويقوي هذا قوله: * (لمثل هاذا فليعمل العاملون) *، والآخرة ليست بدار عمل، ولا يناسب ذلك قول المؤمن في الآخرة إلا على تجوز، كأنه يقول: لمثل هذا ينبغي أن يعمل العاملون. وقال الزمخشري: الذي عطف عليه الفاء محذوف معناه: أنحن مخلدون؟ أي منعمون، فما نحن بميتين ولا معذبين. انتهى. وتقدم من مذهبه أنه إذا تقدمت همزة الاستفهام، وجاء بعدها حرف العطف بضمير ما، يصح به إقرار الهمزة والحرف في محلهما اللذين وقعا فيهما، ومذهب الجماعة أن حرف العطف هو المقدم في التقدير، والهمزة بعده، ولكنه لما كانت الهمزة لها صدر الكلام قدمت، فالتقدير عند الجماعة. فأما وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة، وتقدم الكلام معه في ذلك.
* (أذالك خير نزلا أم شجرة الزقوم * إنا جعلناها فتنة للظالمين * إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم * طلعها كأنه * رءوس * الشياطين * فإنهم لاكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم * إنهم ألفوا ءاباءهم ضالين * فهم علىءاثارهم يهرعون * ولقد ضل قبلهم أكثر الاولين * ولقد أرسلنا فيهم منذرين * فانظر كيف كان عاقبة المنذرين * إلا عباد الله المخلصين * وقد * نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين * وتركنا عليه فى الاخرين * سلام على نوح فى العالمين * إنا كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * ثم أغرقنا الاخرين) *.
لما انقضت قصة المؤمن وقرينه، وكان ذلك على سبيل الاستطراد من شيء إلى شيء، عاد إلى ذكر الجنة والرزق الذي أعده الله فيها لأهلها فقال: أذلك الرزق * (خير نزلا) *؟ والنزل ما يعد للأضياف، وعادل بين ذلك الرزق وبين * (شجرة الزقوم) *.
(٣٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 ... » »»