* (وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم * إذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون * أءفكا ءالهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين * فنظر نظرة فى النجوم * فقال إنى سقيم * فتولوا عنه مدبرين * فراغ إلىءالهتهم فقال ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين * فأقبلوا إليه يزفون * قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون * قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه فى الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الاسفلين) *.
والظاهر عود الضمير في * (من شيعته) * على نوح، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، أي ممن شايعه في أصول الدين والتوحيد، وان اختلفت شرائعهما، أو اتفق أكثرهما، أو ممن شايعه في التصلب في دين الله ومصابرة المكذبين. وكان بين نوح وإبراهيم ألفا سنة وستمائة وأربعون سنة، وبينهما من الأنبياء هود وصالح، عليهما السلام. وقال الفراء: الضمير في * (من شيعته) * يعود على محمد صلى الله عليه وسلم) والأعرف أن المتأخر في الزمان هو شيعة للمتقدم، وجاء عكس ذلك في قول الكميت:
* وما لي إلا آل أحمد شيعة * ومالي إلا مشعب الحق مشعب * جعلهم شيعة لنفسه. وقال الزمخشري: فإن قلت: بم يتعلق الظرف؟ قلت: بما في الشيعة من معنى المشايعة، يعني: وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه بقلب سليم لإبراهيم، أو بمحذوف، وهو اذكر. انتهى. أما التخريج الأول فلا يجوز، لأن فيه الفضل بين العامل والمعمول بأجنبي، وهو قوله: * (لإبراهيم) *، لأنه أجنبي من شيعته ومن إذ، وزاد المنع، إذ قدره ممن شايعه حين جاء لإبراهيم. وأيضا فلام التوكيد يمنع أن يعمل ما قبلها فيما بعدها. لو قلت: إن ضار بالقادم علينا زيدا، وتقديره: ضاربا زيدا لقادم علينا، لم يجز. وأما تقديره اذكر، فهو المعهود عند المعربين. ومجيئه ربه بقلب سليم: إخلاصه الدين لله، وسلامة قلبه: براءته من الشرك والشك والنقائص التي تعتري القلوب من الغل والحسد والخبث والمكر والكبر ونحوها. قال عروة بن الزبير: لم يعلن شيئا قط. وقيل: سليم من الشرك ولا معنى للتخصيص. وأجازوا في نصب * (* أئفكا) * وجوها: أحدها: أن يكون مفعولا بتريدون، والتهديد لأمته، وهو استفهام تقرير، ولم يذكر ابن عطية غير هذا الوجه، وذكره الزمخشري قال: فسر الإفك بقوله: آلهة من دون الله، على أنها إفك في أنفسهم. والثاني: أن يكون مفعولا من أجله أي: تريدون آلهة من دون الله فكا، وآلهة مفعول به، وقدمه عناية به، وقدم المفعول له على المفعول به، لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم، وبدأ بهذا الوجه الزمخشري. والثالث: أن يكون حالا، أي أتريدون آلهة من دون الله آفكين؟ قاله الزمخشري، وجعل المصدر حالا لا يطرد إلا مع أما في نحو: أما علما فعالم.
* (تريدون فما ظنكم برب العالمين) *: استفهام توبيخ وتحذير وتوعد، أي: أي شيء ظنكم بمن هو يستحق لأن تعبدوه، إذ هو رب العالمين حتى تركتم عبادته وعدلتم به الأصنام؟ أي: أي شيء ظنكم بفعله معكم من عقابكم، إذ قد عبدتم غيره؟ كما تقول: أسأت آل فلان، فما ظنك به أن يوقع بك خيرا ما أسأت إليه؟ ولما وبخهم على عبادة غير الله، أراد أن يريهم أن أصنامهم لا تنفع ولا تضر، فعهد إلى ما يجعله منفردا بها حتى يكسرها ويبين لهم حالها وعجزها. * (فنظر نظرة فى النجوم) *، والظاهر أنه أراد علم الكواكب، وما يعزي إليها من التأثيرات التي جعلها الله لها. والظاهر أن نظره كان فيها، أي في علمها، أو في كتابها الذي اشتمل على أحوالها وأحكامها. قيل: وكانوا يعانون ذلك، فأتاهم من الجهة التي يعانونها، وأوهمهم بأنه استدل بأمارة في علم النجوم أنه سقيم، أي يشارف السقم. قيل: وهو الطاعون، وكان أغلب الأسقام عليهم إذ ذاك، وخافوا العدوي