تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٥٧
وهو صبره على الذبح؛ وبصدق الوعد في قوله: * (إنه كان صادق الوعد) *، لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به. وذكر الطبري أن ابن عباس قال: الذبيح إسماعيل، ويزعم اليهود أنه إسحاق، وكذبت اليهود. ومن أقوى ما يستدل به أن الله تعالى بشر إبراهيم بإسحاق، وولد إسحاق يعقوب. فلو كان الذبيح إسحاق، لكان ذلك الإخبار غير مطابق للواقع، وهو محال في إخبار الله تعالى. وذهبت جماعة إلى أن الذبيح هو إسحاق، منهم: العباس بن عبد المطلب، وابن مسعود، وعلي، وعطاء، وعكرمة، وكعب، وعبيد بن عمير، وابن عباس في رواية، وكان أمر ذبحه بالشأم. وقال عطاء ومقاتل: ببيت المقدس؛ وقيل: بالحجاز، جاء مع أبيه على البراق. وقال عبيد بن عمير، وابن عباس في رواية: وكان أمر ذبحه بالشأم، كان بالمقام. وقال ابن عباس: والبشارة في قوله: * (وبشرناه بإسحاق) *، هي بشارة نبوته. وقالوا: أخبر تعالى عن خليله إبراهيم حين هاجر إلى الشام بأنه استوهبه ولدا، ثم أتبع تلك البشارة بغلام حليم، ثم ذكر رؤياه بذبح ذلك الغلام المبشر به، ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف، عليهما السلام: من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله. ومن جعل الذبيح إسحاق، جعل هذه البشارة بشارة بنبوته، كما ذكرنا عن ابن عباس. وقالوا: لا يجوز أن يبشره الله بولادته ونبوته معا، لأن الامتحان بذبحه لا يصح مع علمه بأنه سيكون نبيا. ومن جعله إسماعيل، جعل البشارة بولده إسحاق. وانتصب نبيا على الحال، وهي حال مقدرة. فإن كان إسحاق هو الذبيح، وكانت هذه البشارة بولادة إسحاق، فقد جعل الزمخشري ذلك محل سؤال. فإن قلت: فرق بين هذا وقوله: * (فادخلوها خالدين) *، وذلك أن المدخول موجود مع وجود الدخول، والخلود غير موجود معهما، فقدرت مقدرين للخلود، فكان مستقيما. وليس كذلك المبشر به، فإنه معلوم وقت وجود البشارة، وعدم المبشر به أوجب عدم حاله، لأن الحال حلية لا تقوم إلا بالمحلي. وهذا المبشر به الذي هو إسحاق، حين وجد لم توجد النبوة أيضا بوجوده، بل تراخت عنه مدة طويلة، فكيف يجعل نبيا حالا مقدرة؟ والحال صفة للفاعل والمفعول عند وجود الفعل منه أو به. فالخلود، وإن لم يكن صفتهم عند دخول الجنة، فتقديرها صفتهم، لأن المعنى: مقدرين الخلود. وليس كذلك النبوة، فإنه لا سبيل إلى أن تكون موجودة وقت وجود البشارة بإسحاق لعدم إسحاق. قلت: هذا سؤال دقيق السلك ضيق المسلك، والذي يحل الإشكال أنه لا بد من تقدير مضاف محذوف وذلك قوله: * (وبشرناه) * بوجود إسحاق نبيا، أي بأن يوجد مقدرة نبوته، فالعامل في الحال الوجود، لا فعل البشارة؛ وبذلك يرجع نظير قوله تعالى: * (فادخلوها خالدين) *، * (من الصالحين) *، حال ثانية، وورودها على سبيل الثناء والتقريظ، لأن كل نبي لا بد أن يكون من الصالحين. انتهى.
* (وباركنا عليه وعلى إسحاق) *: أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا، وبأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه. * (ومن ذريتهما محسن وظالم) *: فيه وعيد لليهود ومن كان من ذريتهما لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم)، ومن ذريتهم محسن وظالم وفيه دليل على أن البرقد يلد الفاضل، ولا يلحقه من ذلك عيب ولا منقصة.
* (ولقد مننا على موسى وهارون * ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم * ونصرناهم فكانوا هم الغالبون * وءاتيناهما الكتاب المستبين * وهديناهما الصراط المستقيم * وتركنا عليهما فى الاخرين * سلام على موسى وهارون * إنا كذلك نجزى المحسنين * إنهما من عبادنا المؤمنين * وإن إلياس لمن المرسلين * إذ قال لقومه ألا تتقون * أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين * الله ربكم * الاولين * قال * فكذبوه فإنهم لمحضرون * إلا عباد الله المخلصين * وتركنا عليه فى الاخرين * سلام على إل ياسين * إنا كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وإن لوطا لمن المرسلين * إذ نجيناه وأهله أجمعين * إلا عجوزا فى الغابرين * ثم دمرنا الاخرين * وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وباليل أفلا تعقلون) *.
* (الكرب العظيم) *: تعبد القبط لهم، ثم خوفهم من جيش فرعون، ثم البحر بعد ذلك، والضمير في * (ونصرناهم) * عائد على موسى وهارون وقومهما؛ وقيل: عائد على موسى وهارون فقط، تعظيما لهما بكناية الجماعة. و * (هم) *: يجوز أن يكون فصلا وتوكيدا أو بدلا. و * (الكتاب المستبين) *: التوراة، كما قال تعالى: * (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) *
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»