تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٤١
قلت: أقام زيد أو عمرو، فعمرو مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا، واستفهامهم تضمن إنكارا واستبعادا، فأمر الله نبيه أن يجيبهم بنعم.
* (وأنتم داخرون) *: أي صاغرون، وهي جملة حالية، العامل فيها محذوف تقديره نعم تبعثون، وزادهم في الجواب أن بعثهم وهم ملتبسون بالصغار والذل. وقرأ ابن وثاب: نعم بكسر العين، وتقدم الخلاف فيها في سورة الأعراف، وهي كناية عن البعثة، فإنما بعثتهم * (زجرة) *: أي صيحة، وهي النفخة الثانية. لما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازا. وقال الزمخشري: هي مبهمة يوضحها خبرها. انتهى. وكثيرا ما يقول هو وابن مالك أن الضمير يفسره الخبر، وجعل من ذلك ابن مالك * (إن هى إلا حياتنا الدنيا) *، وتكلمنا معه في ذلك في شرح التسهيل. وقال الزمخشري: فإنما جواب شرط مقدر، وتقديره: إذا كان ذلك، فما هي إلا زجرة واحدة. انتهى. وكثيرا ما تضمن جملة الشرط قبل فاء إذا ساغ، تقديره: ولا ضرورة تدعو إلى ذلك، ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق عليه أنه جواب الأمر والنهي، وما ذكر معهما على قول بعضهم، أما ابتداء فلا يجوز حذفه.
و * (ينظرون) *: من النظر، أي فإذا هم بصراء ينظرون، أو من الانتظار، أي فإذا هم ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به. والظاهر أن قوله: * (* يا ويلنا) * من كلام بعض الكفار لبعض، إلى آخر الجملتين، أقروا بأنه يوم الجزاء، وأنه يوم الفصل، وخاطب بعضهم بعضا. ووقف أبو حاتم على قوله: * (* يا ويلنا) *، وجعل * (وقالوا ياويلنا هاذا يوم الدين) * إلى آخره من قول الله لهم أو الملائكة. وقيل: * (هاذا يوم الدين) * من كلام الكفرة، و * (هاذا يوم الفصل) * ليس من كلامهم، وإنما المعنى يقال لهم هذا يوم الفصل. ويوم الدين: يوم الجزاء والمعاوضة، ويوم الفصل: يوم الفرق بين فرق الهدى وفرق الضلال. وفي * (الذي كنتم به تكذبون) * توبيخ لهم وتقريع.
* (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون * من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم * وقفوهم إنهم مسئولون * مالكم * لا تناصرون * بل هم اليوم مستسلمون * وأقبل بعضهم على بعض * يتساءلون * قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين * قالوا بل لم تكونوا مؤمنين * وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين * فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون * فأغويناكم إنا كنا غاوين * فإنهم يومئذ فى العذاب مشتركون * إنا كذلك نفعل بالمجرمين * إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إلاه إلا الله يستكبرون * ويقولون أءنا لتاركو ءالهتنا لشاعر مجنون * بل جاء بالحق وصدق المرسلين * إنكم لذائقو العذاب الاليم * وما تجزون إلا ما كنتم تعملون) *.
* (احشروا) *: خطاب من الله للملائكة، أو خطاب الملائكة بعضهم لبعض، أي اجمعوا الظالمين ونساءهم الكافرات، قاله ابن عباس، ورجحه الرماني. وأنواعهم وضرباؤهم، قاله عمرو ابن عباس أيضا، أو أشباههم من العصاة، وأهل الزنا مع أهل الزنا، وأهل السرقة، أو قرناؤهم الشياطين. وقرأ عيسى بن سليمان الحجازي: * (وأزواجهم) *، مرفوعا عطفا على ضمير ظلموا، أي وظلم أزواجهم. * (فاهدوهم) *: أي عرفوهم وقودوهم إلى طريق النار حتى يصطلوها، والجحيم طبقة من طبقات جهنم. * (وقفوهم) *، كما قال: * (ولو ترى إذ وقفوا على النار) *، وهو توبيخ لهم، * (أنهم) *. وقرأ عيسى: أنهم، بفتح الهمزة. قال عبد الله: يسألون عن شرب الماء البارد على طريق الهزء بهم، وعنه أيضا: يسألون عن لا إله إلا الله. وقال الجمهور: وعن أعمالهم، ويوقفون على قبحها. وفي الحديث: (لا تزول قد ما عبد حتى يسأل عن خمس شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله كيف اكتسبه وفيما أنفقه، وعن ما عمل فيما علم). وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون المعنى على نحو ما فسره بقوله: * (مسئولون ما لكم لا تناصرون) *، أي إنهم مسؤولون عن امتناعهم عن التناصر، وهذا على سبيل التوبيخ في الامتناع. وقال الزمخشري: هذا تهكم بهم وتوبيخ لهم بالعجز عن التناصر بعدما كانوا على خلاف ذلك في الدنيا متعاضدين متناصرين. وقال الثعلبي: * (ما لكم لا تناصرون) *، جواب أبي جهل حين قال
(٣٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 ... » »»