الدنيا. مثل حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من بعد، كما يتناوله الآخر من قرب. وقرأ الجمهور: التناوش بالواو. وقرأ حمزة، والكسائي. وأبو عمرو، وأبو بكر: بالهمز، ويجوز أن يكونا مادتين، إحداهما النون والواو والشين، والأخرى والهمزة والشين، وتقدم شرحهما في المفردات. ويجوز أن يكون أصل الهمزة الواو، على ما قاله الزجاج، وتبعه الزمخشري وابن عطية والحوفي وأبو البقاء، وقال الزجاج: كل واو مضمومة ضمة لازمة، فأنت فيها بالخيار، إن شئت تثبت همزتها، وإن شئت تركت همزتها. تقول: ثلاث أدور بلا همز، وأدؤر بالهمز. قال: والمعنى: من أنى لهم تناول ما طلبوه من التوبة بعد فوات وقتها، لأنها إنما تقبل في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا فصارت على بعد من الآخرة، وذلك قوله تعالى: * (من مكان بعيد) *. وقال الزمخشري: همزت الواو المضمومة كما همزت في أجوه وأدور. وقال ابن عطية: وأما التناؤش بالهمز فيحتمل أن يكون من التناوش، وهمزت الواو لما كانت مضمومة ضمة لازمة، كما قالوا: أفتيت. وقال الحوفي: ومن همز احتمل وجهان: أحدهما: أن يكون من الناش، وهو الحركة في إبطاء، ويجوز أن يكون من ناش ينوش، همزت الواو لانضمامها، كما همزت أفتيت وأدور. وقال أبو البقاء: ويقرأ بالهمز من أجل الواو، وقيل: هي أصل من ناشه. انتهى. وما ذكروه من أن الواو إذا كانت مضمومة ضمة لازمة يجوز أن تبدل همزة، ليس على إطلاقه، بل لا يجوز ذلك في المتوسطة إذا كان مدغمة فيها، ونحو يعود وتعوذ مصدرين؛ ولا إذا صحت في الفعل نحو: ترهوك ترهوكا، وتعاون تعاونا، ولم يسمع همزتين من ذلك، فلا يجوز. والتناوش مثل التعاون، فلا يجوز همزه، لأن واوه قد صحت في الفعل، إذ يقول: تناوش.
* (وقد كفروا به) *: الضمير في به عائد على ما عاد عليه * (به إنه) * على الأقوال، والجملة حالية، و * (من قبل) * نزول العذاب. وقرأ الجمهور: * (ويقذفون) * مبنيا للفاعل، حكاية حال متقدمة. قال الحسن: قولهم لا جنة ولا نار، وزاد قتادة: ولا بعث ولا نار. وقال ابن زيد: طاعنين في القرآن بقولهم: * (أساطير الاولين) *. وقال مجاهد في الرسول صلى الله عليه وسلم)، بقولهم: شاعر وساحر وكاهن. * (من مكان بعيد) *: أي في جهة بعيدة، لأن نسبته إلى شيء من ذلك من أبعد الأشياء. قال الزمخشري: وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفي، لأنهم لم يشاهدوا منه سحرا ولا شعرا ولا كذبا، وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله، لأن أبعد شيء مما جاء به الشعر والسحر، وأبعد شيء من عادته التي عرفت بينهم وجربت الكذب والزور. انتهى. وقيل: هو مستأنف، أي يتلفظون بكلمة الإيمان حين لا ينفع نفسها إيمانها، فمثلت حالهم في طلبهم تحصيل ما عطلوه من الإيمان في الدنيا بقولهم: آمنا في الآخرة، وذلك مطلب مستبعد ممن يقذف شيئا من مكان بعيد لا مجال للنظر في لحوقه، حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائبا عنه بعيدا. والغيب: الشيء الغائب. وقرأ مجاهد، وأبو حيوة، ومحبوب عن أبي عمرو: ويقذفون، مبنيا للمفعول. قال مجاهد: ويرجمهم بما يكرهون من السماء. وقال أبو الفضل الرازي: يرمون بالغيب من حيث لا يعلمون، ومعناه: يجازون بسوء أعمالهم، ولا علم لهم بما أتاه، إما في حال تعذر التوبة عند معاينة الموت، وإما في الآخرة. وقال الزمخشري: أي يأتيهم به، يعني بالغيب، شياطينهم ويلقنونهم إياهم. وقيل: يرمون في النار؛ وقيل: هو مثل، لأن من ينادي من مكان بعيد لا يسمع، أي هم لا يعقلون ولا يسمعون.
* (وحيل بينهم) *، قال الحوفي: الظرف قائم مقام اسم ما لم يسم فاعله. انتهى. ولو كان على ما ذكر، لكان مرفوعا بينهم، كفراءة من قرأ: * (لقد تقطع بينكم) *، في أحد المعنين، لا يقال لما أضيف إلى مبني وهو الضمير بنى، فهو في موضع رفع، وإن كان مبنيا. كما قال بعضهم في قوله: وإذ ما مثلهم، يشير إلى أنه في موضع رفع لإضافته إلى الضمير، وإن كان مفتوحا، لأنه قول فاسد. يجوز أن تقول: مررت بغلامك، وقام غلامك بالفتح، وهذا لا يقوله أحد. والبناء لأجل الإضافة إلى المبني ليس مطلقا، بل له مواضع أحكمت في النحو