تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٦٦
لقبول الشفاعة. وقال الزمخشري: فإن قلت بم اتصل قوله: * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) *؟ ولا شيء وقعت حتى غاية له. قلت: بما فهم من هذا الكلام من أن ثم انتظار الإذن وتوقفا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص. ومثل هذه الحال دل عليه قوله، عز من قائل: * (رب * السماوات والارض * وما بينهما الرحمان لا يملكون منه خطابا * يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا) *، كأنه قيل: يتربصون ويتوقفون مليا فزعين وهلين.
* (حتى إذا فزع عن قلوبهم) *: أي كشف الفزع من قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن. تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا: * (ماذا قال ربكم) *؟ قال الحق، أي القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى. انتهى. وتلخص من هذا أن حتى غائيه إما لمنطوق وهو زعمتم، ويكون الضمير في * (عن قلوبهم) * التفاتا، وهو للكفار، أو هو فاتبعوه، وفيه تناسق الضمائر لغائب. والفصل بالاعتراض والضمير أيضا للكفار، والضمير في * (قالوا) * للملائكة، وضمير الخطاب في * (ربكم) *، والغائب في * (قالوا) * الثانية للكفار. وأما لمحذوف، فما قدره ابن عطية لا يصح أن يغيا، لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، وهم عبدة منقادون دائما لا ينفكون عن ذلك، لا إذا فزع عن قلوبهم، ولا إذا لم يفزع، وحمل ذلك على الملائكة حال الوحي لا يناسب الآية، وكون النبي صلى الله عليه وسلم)، في قصة الوحي قال: (فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم)، لا يدل على أن هذه الآية في الملائكة حالة تكلم الله بالوحي. والحديث رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم)، قال: (إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل عليه السلام، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ قال فيقول الحق، (فينادون الحق). وما قدره الزمخشري يحتمل، إلا أن فيه تخصيص الذين زعمتم من دونه بالملائكة، والذين عبدوهم ملائكة وغيرهم. وتخصيص من أذن له بالملائكة أيضا، والمأذون لهم في الشفاعة الملائكة وغيرهم. ألا ترى إلى ما حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، في (الشفاعة في قوله عز وجل؟).
وقرئ: فزع مشددا، من الفزع، مبنيا للمفعول، أي أطير الفزع عن قلوبهم. وفعل تأتي لمعان منها: الإزالة، وهذا منه نحوه: قردت البعير، أي أزلت القراد عنه. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وطلحة، وأبو المتوكل الناجي، وابن السمفيع، وابن عامر: مبنيا للفاعل من الفزع أيضا، والضمير الفاعل في فزع إن كان الضمير في عن قلوبهم للملائكة، فهو الله، وإن كان للكفار، فالضمير لمغويهم. وقرأ الحسن: * (فزع) * من الفزع، بتخفيف الزاي، مبنيا للمفعول، و * (عن قلوبهم) * في موضع رفع به، كقولك: انطلق يزيد. وقرأ الحسن أيضا، وأبو المتوكل أيضا، وقتادة، ومجاهد: فزع مشددا، مبنيا للفاعل من الفزع. وقرأ الحسن أيضا: كذلك، إلا أنه خفف الزاي. وقرأ عبد الله بن عمر، والحسن أيضا، وأيوب السختياني، وقتادة أيضا، وأبو مجلز: فرغ من الفراغ، مشدد الراء، مبنيا للمفعول. وقرأ ابن مسعود، وعيسى افرنقع: عن قلوبهم، بمعنى انكشف عنها، وقيل: تفرق. وقال الزمخشري: والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين، كما ركب قمطر من حروف القمط مع زيادة الراء. انتهى. فإن عني الزمخشري أن العين من حروف الزيادة، وكذلك الراء، وهو ظاهر كلامه، فليس بصحيح، لأن العين والراء ليستا من حروف الزيادة. وإن عنى أن الكلمة فيها حروف، وما ذكروا زائدا إلى ذلك العين والراء كمادة فرقع وقمطر، فهو صحيح لولا إيهام ما قاله الزمخشري في هذه الكلمة، لم أذكر هذه القراءة لمخالفتها سواد المصحف. وقالوا أيضا في قوله تعالى: * (حتى إذا فزع) * أقوالا غير ما سبق. قال كعب: إذا تكلم الله عز وجل بلا كيف ضربت الملائكة بأجنحتها وخرت فزعا، قالوا فيما بينم: * (ماذا قال ربكم قالوا الحق) *. وقيل: إذا دعاهم إسرافيل من قبورهم، قالوا مجيبين ماذا، وهو من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ، كما قاله زهير
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»