تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٧٣
والمعنى: أن الأموال لا تقرب أحدا إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله؛ والأولاد لا تقرب أحدا إلا من علمهم الخير وفقهم في الدين ورشحهم للصلاح والطاعة. انتهى، وهو لا يجوز. كماذ كرنا، لا يجوز: ما زيد بالذي يخرج إلا أخوة، ولا مازيد بالذي يضرب إلا عمرا، ولا ما زيد بالذي يمر إلا ببكر. والتركيب الذي ركبه الزمخشري من قوله: لا يقرب أحدا إلا المؤمن، غير موافق للقرآن؛ ففي الذي ركبه يجوز ما قال، وفي لفظ القرآن لا يجوز. وأجاز الفراء أن تكون من في موضع رفع، وتقدير الكلام عنده ما هو المقرب * (وما أموالكم ولا) *. انتهى. وقوله كلام لا يتحصل منه معنى، كأنه كان نائما حين قال ذلك.
وقرأ الجمهور: * (جزاء الضعف) * على الإضافة، أضيف فيه المصدر إلى المفعول، وقدره الزمخشري مبنيا للمفعول الذي لم يسم فاعله، فقال: أن يجازوا الضعف، والمصدر في كونه يبني للمفعول الذي لم يسم فاعله فيه خلاف، والصحيح المنع، ويقدر هنا أن يجاوز الله بهم الضعف، أي يضاعف لهم حسناتهم، الحسنة بعشر أمثالها، وبأكثر إلى سبعمائة لمن يشاء. وقرأ قتادة: جزاء الضعف برفعهما؛ فالضعف بدل، ويعقوب في رواية بنصب جزاء ورفع الضعف، وحكى هذه القراءة الداني عن قتادة، وانتصب جزاء على الحال، كقولك: في الدار قائما زيد. وقرأ الجمهور: * (فى الغرفات) * جمعا مضموم الراء؛ والحسن، وعاصم: بخلاف عنه؛ والأعمش، ومحمد بن كعب: بإسكانها؛ وبعض القراء: بفتحها؛ وابن وثاب، والأعمش، وطلحة، وحمزة: وأطلق في اختياره في الغرفة على التوحيد ساكنة الراء؛ وابن وثاب أيضا: بفتحها على التوحيد. ولما ذكر جزاء من آمن، ذكر عقاب من كفر، ليظهر تباين الجزاءين، وتقدم تفسير نظير هذه الكلمة. ولما كان افتخارهم بكثرة الأموال والأولاد، أخبروا أن ذلك على ما شاء الله كبر، وذلك المعنى تأكيد أن ذلك جار على ما شاء الله، إلا أن ذلك على حسب الاستحقاق، لا التكرمة، ولا الهوان. ومعنى * (فهو يخلفه) *: أي يأتي بالخلف والعوض منه، وكان لفظ من عباده مشعرة بالمؤمنين، وكذلك الخطاب في * (وما أنفقتم) *: يقصد هنا رزق المؤمنين، فليس مساق.
* (قل إن ربى يبسط) *: مساق ما قيل للكفار، بل مساق الوعظ والتزهيد في الدنيا، والحض على النفقة في طاعة الله، وإخلاف ما أنفق، إما منجزا في الدنيا، وإما مؤجلا في الآخرة، وهو مشروط بقصد وجه الله. وقال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقصد، وأن الرزق مقسوم، ولعل ما قسم له قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه، فينفق جميع ما في يده، ثم يبقى طول عمره في فقر ولا يتأتى. * (وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه) *: في الآخرة، ومعنى الآية: ما كان من خلف فهو منه. وجاء * (الرازقين) * جمعا، وإن كان الرازق حقيقة هو الله وحده، لأنه يقال: الرجل يرزق عياله، والأمير جنده، والسيد عبده، والرازقون جمع بهذا الاعتبار، لكن أولئك يرزقون مما رزقهم الله، وملكهم فيه التصرف، ولله تعلى يرزق من خزائن لا تفنى، ومن إخراج من عدم إلى وجود.
* (ويوم يحشرهم جميعا) *: أي المكذبين، من تقدم ومن تأخر. وقرأ الجمهور: نحشرهم، نقول بالنون فيهما، وحفص بالياء، وتقدمت في الأنعام وخطاب الملائكة تقريع للكفار، وقد علم تعالى أن الملائكة منزهون برآء مما وجه عليهم من السؤال، وإنما ذلك على طريق توقيف الكفار، وقد علم سوء ما ارتبكوه من عبادة غير الله، وأن من عبدوه متبرىء منهم. و * (هؤلاء) * مبتدأ و، خبره * (كانوا يعبدون) *، و * (إياكم) * مفعول * (يعبدون) *. ولما تقدم انفصل، وإنما قدم لأنه أبلغ في الخطاب، ولكون * (يعبدون) * فاصلة. فلو أتى بالضمير منفصلا، كان التركيب يعبدونكم، ولم تكن فاصلة. واستدل بتقديم هذا المعمول على جواز تقديم خبر كان عليها إذا كان جملة، وهي مسألة خلاف، أجاز ذلك ابن السراج، ومنع ذلك قوم من النحويين، وكذلك منعوا توسطه إذا كان جملة. وقال ابن السراج: القياس جواز ذلك، ولم يسمع. ووجه الدلالة من الآية أن تقديم المعمول مؤذن بتقديم العامل، فكما جاز تقديم * (إياكم) *، جاز تقديم * (يعبدون) *، وهذه القاعدة ليست مطردة، والأولى منع ذلك إلى أن يدل على
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»